آدم حاتم.. رصاصة الجيش سبقت جنديته
من أوائل المدرسة.. الأول في مسابقة للقرآن.. رائد الإذاعة المدرسية.. أحد متفوقي الثانوية الأزهرية.. تخرج بتفوق من كلية الطب.. إضافة إلى العديد من المناقب التي عرف بها بطل قصتنا.
آدم حاتم محمد آدم (25 عاما) طبيب امتياز، ونائب بقسم الباثولوجيا الإكلينيكية بكلية الطب جامعة الأزهر، كان من سكان مدينة نصر شمال شرقي القاهرة مع أشقائه ووالديه، ويتجهز لعقد قرانه من خطيبته، وقضاء خدمته في جيش بلاده، إلا أن رصاصه كان لرقبته أسبق.
كان حاتم، شخصية متميزة متفوقا في دراسته، له حضور بين أقرانه وذويه في مساحات مختلفة، حصل على بكالوريوس طب من جامعة الأزهر بتقدير جيد جدا بالمجموع التراكمي، بعد نبوغ وتفوق في مرحلة الثانوية، حيث كان حاصلا على شهادتها بمجموع 98%.
كان آدم معروفا بهدوئه ووداعته، كما كان بارًا بوالديه عطوفا على إخوته، محبوبا من كل من عاشره وعرفه، يأسرهم بابتسامته ودماثة خلقه، وكان يجالس أصحابه بعد كل صلاة جمعة لتفسير القرآن الكريم، حيث كان حافظا لكتاب الله، ملما بتفسيره.
كما كان مهتما بالأدب والقراءات الخارجية، ويقول والده إنه كان كاتبًا وشاعرًا، له العديد من المقالات في مجلات إسلامية مختلفة، منها مجلة الوعي الإسلامي ومجلة المجتمع.
ومع تفوقه ونبوغه المهني والدراسي، كان حافظا لكتاب الله بالتجويد، وحاصلا على إجازة إقراء برواية حفص عن عاصم، من الشيخ أحمد المعصراوي، شيخ عموم المقارئ المصرية السابق.
جاءه القدر وهو طبيب في سنة الامتياز، وكان قد سجل لزمالة جراحة الأطفال بالكلية الملكية في بريطانيا، وكان خاطبا ويستعد لإتمام زواجه قبل استشهاده بشهر، وكان حسب معارفه وجيرانه، مضرب مثل في الرجولة والإخلاص.
شارك آدم حاتم في ثورة يناير، منذ أيامها الأولى، وأصيب في قدمه، كما اختنق بالغاز المسيل للدموع أكثر من مرة حتى أغمي عليه، كما شارك في العديد من المشاهد الثورية، وأصيب أكثر من مرة، وكانت له صولات وجولات مع البلطجية، وبعد الانقلاب العسكري، شارك في الفعاليات الرافضة له.
انضم حاتم لقافلة شهداء فض اعتصام رابعة العدوية، حيث طالته رصاصة غادرة من قناص في الرقبة، وهو يساعد في نقل الجرحى والمصابين، حيث كان يتواجد ناحية طيبة مول، وسبق ذلك إصابته بقنبلة غاز أدت إلى اختناقه بشدة، وبمجرد إفاقته من أثر الاختناق، أصابته الرصاصة.
بعد مذبحة الحرس الجمهوري، والتي استشهد فيها المصور أحمد عاصم السنوسي، تأثر آدم بشكل كبير باستشهاده، لدرجة أنه مرض ولازم منزله لفترة، وحين زاره أصدقاءه، حدثهم عن السنوسي ومناقبه وما يعرفه عن صدقه وتحدث عن الشهادة، وكان كثير الحديث عن تمنيه لأن ينالها.
كان آخر ما كتبه على صفحته بموقع فيسبوك “نازل رابعة بإذن الله.. مقدرش إلا إني أحترم عهدي مع ربنا “والموت في سبيل الله أسمى أمانينا”.
في اليوم التالي لاستشهاده، كتب شقيقه أحمد: “قد تقتل جسده فيسكن فيهدأ فيستريح.. لكنك لن تستطيع أن تملك روحه التي باتت تسري كما النسيم.. يهب مع طلعات الصباح، يحنو على ورق الشجر، يلامس صفحات النهر وقت الأصيل، ينعش القلوب، يغسل الجراح، يُطارد السفاح، يفضح العميل.. فلتقتلوه لكن روحه العذبة ترفض أن تغادر وتأبى الرحيل”
يحكي أحد أصحابه كيف أنه كان مع بداية اعتصام رابعة العدوية، يوصي جميع معارفه بكتابة وصيتهم، وقام هو بدوره بكتابة وصيته، والتي حررها منتصف رمضان، خلال اعتصام رابعة العدوية، وكانت من 9 بنود.
وضمن ما كتب فيها “علم الله كم ساءني أني وجدت من نفسي حدّة قد لا تروق لكم، أو جفاء في طبع قد أزعجكم، أو قسوة في المعاملة أقلقتكم.. لكن حسبي والله يعلم أني ما كنت أفعل ذلك كرهًا لكم أو ترفعًا عنكم”.
كتبت والدته بعد 4 سنوات من استشهاده، تستذكر مناقبه: “كان لا يبيت وفى صدره شيء لأحد ولا يحتمل أن يحزن أحدا.. كنت أربيه ليشارك في تحرير الأقصى وكانت مشيئة الله أن يبدأ ومن ارتقوا معه تحرير مصر بدمائهم الزكية.. كان دائما يردد بهدوئه المعهود منذ صغره {نحن لا نستسلم ننتصر أو نموت.. سيكون عليكم أن تقاتلوا الأجيال القادمة}”.
وقبل فض رابعة بيوم، استعرض مع بعض أحبابه، فصل الجهاد من كتاب “رياض الصالحين”، وأظهر توقه إلى الشهادة، ويوم الفض، كان يسلم على من حوله ويبتسم لهم ويشد من أزرهم.
كانت نفسه تذهب حسرات قبل استشهاده بساعات وهو يبذل كل جهده لإسعاف المصابين، حيث نفذت الأدوية والإسعافات الأولية، ولم يعد في الإمكان إنقاذ حياة المصابين، وعلا صوته بالبكاء حين فاضت روح أحد المصابين وبات يعاتب نفسه “لم أتأخر.. لكني لم أنقذهم”.
في مشهد وداعه، فاجأت والدته الصبورة جميع المشيعين وهم يخرجون جثمانه من المنزل لمرقده الأخير، وهي تقول “زفوا العريس.. فين الزفة يا بنات.. ابني شهيد” ثم أطلقت الزغاريد، وبعدها غلبتها العبرة فبكت.
بينما تستحضر شقيقته دعاء، لحظات وصول جثمان شقيقها آدم إلى المنزل وتكتب “نساء البيت يصطففن في انتظار الجثمان والرجال في الشارع يحملونه.. ولأن الفقيد كان طويل القامة فقد حمله ثلة من الشباب تسابقوا على تلقيه وتقبيله.. دمه يسيل في الشوارع والطرقات.. في مدخل العمارة وفي بيته.. رائحة البيت تفوح بعطر لم أشم مثله في حياتي”.
استمرت أسرته على دربه، وظلت والدته وإخوته مواظبين على المشاركة في الفعاليات الرافضة للانقلاب، وقالت أمه أثناء مشاركتها في إحدى الوقفات عقب أيام من استشهاد آدم، “دماء شهدائنا لعنة على قاتليهم.. ثوار أحرار هنكمل المشوار”، كما هتف الثوار أمام منزله “حق آدم مش هنسيبه”.