طارق محمد السيد العطار، مهندس كمبيوتر متميز وحافظ للقرآن، وأب لأربع فتيات وولدين، هم “أميرة وشروق وشهد ومحمد ويوسف وعائشة”، ولد في 1 فبراير 1972 بقرية كرداسة في محافظة الجيزة، واستشهد عن 41 عاما في أحداث ميدان رمسيس.
كان طارق العطار، ابن كرداسة، شابا خلوقا متفوقا في عمله، وهب حياته للقرآن فكان يعيش به وله، ووضع أبناءه على نفس الطريق بكل رفق ولين، وبرغم انشغاله في البحث عن لقمة العيش، فإنه لم ينسَ حق أولاده في التربية الصالحة والتنشئة على كتاب الله وسنة رسوله، كما لم ينس حقوق الناس، فكان ساعيا في حوائج أهله وجيرانه في الخفاء، تحريا للتجرد والإخلاص، فأحبه الناس وظلوا يذكرونه بكل خير حتى بعد رحيله.
تصفه زوجته بأنه كان رجلاً بمعنى الكلمة، فكان: “حسن العشرة معي ومع أولاده، يتقى الله فينا ويحرص على إسعادنا ويتحرى الرزق الحلال، لكنه لم ينشغل يوما بقضية الرزق أو المستقبل لأنه يدرك تماما أن الرزق والمستقبل بيد الله وحده، ومن جهة أخرى كان مهموما بمصر وأحوالها فأيّد الرئيس الراحل محمد مرسى في انتخابات الرئاسة في المرحلتين الأولى والثانية، ولما حانت لحظة الجهر بالحق في مواجهة ظلم الانقلاب لم يأبه لشيء من أمور الدنيا، وتركنا في معية الله وخرج لأداء رسالته في نصرة الحق أملا في أن يحظى بمنزلة سيد الشهداء لجهره بالحق في وجه سلطان الانقلاب الجائر”.
وتحكي ابنته أميرة عن سلوك أبيها معها: “عندما كان والدى يعود إلى البيت كان يطمئن علينا ويسألنا عن دراستنا، ويجلس معنا ويذاكر لنا، وكان دائمًا يحثنا على الاهتمام بقراءة وحفظ القرآن ويشجعنا على ختمه ومراجعته حتى لا ننساه، والحمد لله ختمناه مبكرًا، فأنا أتممت حفظ القرآن مع انتهاء الإجازة، وحصلت على الإجازة في رواية حفص عن عاصم، والإجازة في رواية شعبة عن عاصم، وهذا بفضل الله أولاً، ثم بمساعدة وتوجيه أبى الذي كان حريصًا على تحفيظنا القرآن منذ الصغر”.
وتكمل أميرة “حصلتُ على المركز الأول على مستوى المدرسة في المرحلة الابتدائية والإعدادية بفضل تشجيعه الدائم لي”، مشيرة إلى أن علاقة أبيها بها وبإخوتها كانت “طيبة جدًا، فلم يغضب منا أو يرفع صوته أبدًا علينا، وكان عطوفا جدا علينا ويعاملنا بالحب، وإذا أخطأ أحدنا يوجهه برفق وينصحه بهدوء، بلا تعصب ولا عنف”.
وتتذكر أميرة الساعات الأخيرة في حياة والدها، قائلة: “قبل وفاته بيوم كنت حزينة، فجاء وجلس معي وأخذ يسألني عن السبب، وظل يداعبني حتى أخرجني من حالة الضيق وجعلني أضحك”.
ويحكي صديقه محمود حمدي أن طارق “كان دائمًا يساعد المحتاجين، ويعطيني الصدقات؛ لأوزعها بنفسي على الفقراء والمساكين في القرية، كما كان يشترى الملابس والمواد الغذائية ويتصل بي، ويعطيها لي ويقول أعطِ فلان وأعطِ المحتاجين، وكان لا يحب الظهور أو الرياء، وكان الناس كلهم يحبونه”.
تروي زوجته بعض الأحداث والمواقف التي دارت بينها وبين زوجها وأولاده قبيل وفاته، فتقول: “كان لديَ شعور بأن الله سيهب طارق الشهادة لأنه كان يطلبها ويسعى إليها طوال حياته، ففي يوم الخميس صبيحة استشهاده، كنا نتحدث عن منزلة الشهيد، فقال لي: ادعي الله أن يكتبها لي، كما أنه وهو شاب في مقتبل عمره، رأى رؤيا لما يحدث الآن في مصر، وحكاها لي، فكانت نفسي تحدثني أن شيئًا ما سيحدث له”.
وتكمل زوجته: “في ليلة استشهاده كنا نتابع أحداث وتداعيات مجزرة فض رابعة والنهضة على قناة الجزيرة، وفي هذا الوقت كان يوسف ومحمد يريدان مشاهدة أفلام الأطفال، ولكنى رفضت، إلا أن طارق أخذ منى الريموت كنترول، وقضى الليلة برفقتهما في مشاهدة التلفاز، وفي الصباح الباكر استيقظت عائشة ابنتنا الصغرى، فلم أشعر بها، لأن طارق أخذها من جانبي، وظل معها حتى خلدت إلى النوم مرة أخرى؛ فسبحان الله، قضى الشهيد الساعات الأخيرة من حياته مع أطفاله الصغار الذين هم في أمس الحاجة إليه، ومع ذلك لم يتراجع، ولم يخشَ أن يتركهم وهم في بداية حياتهم، لأنه يعلم أنهم في حماية الله، فليس هو من يرزقهم بل الله هو الرزاق، لذلك لم يخشَ عليهم؛ وخرج ليدافع عن الحق؛ وليلتمس لهم مستقبلاً أفضل”.
أما عن قصة وفاته فتحكي زوجته: “في يوم الجمعة الذي استشهد فيه زوجي، استيقظ مبكرا ولم يتناول معنا الإفطار، ونزل ولم يقل لي إلى أين هو ذاهب، وبعد الصلاة اتصلت به، فقال لي: إنه في رمسيس، وعند الساعة الثالثة والنصف عصرا اتصلت عليه، فقال لي: إنهم يطلقون النار علينا من كل اتجاه، فقلت له: انتبه لنفسك، وحاول أن تبتعد عن مرمى النيران، وبعدها بنصف ساعة، جاءنا اتصال من صديقه، وأخبرنا أن طارق استشهد.
وقد علمنا فيما بعد أنه حين اشتد الضرب من قبل قوات الانقلاب على المتظاهرين ووقعت إصابات كثيرة، تقدم طارق للمشاركة في نقل المصابين إلى مسجد الفتح لإسعافهم، فتلقى طلقًا ناريًا من قبل قوات الانقلاب أصاب رقبته إصابة مباشرة، فاستشهد على الفور”.
وتظاهر آلاف المصريين يوم الجمعة 16 أغسطس في ميدان رمسيس، اعتراضا على فضّ الاعتصامات بالقوة الغاشمة والتي أوقعت مذابح رابعة والنهضة، وتعرض المتظاهرون لهجوم دموي من قوات الأمن المصرية والبلطجية، في حين حلقت مروحية تابعة للجيش المصري فوق المظاهرات، وخلفت الاعتداءات العشرات من الشهداء والمصابين والمعتقلين، واستقبل المستشفى الميداني الذي أقيم في مسجد التوحيد بامتداد شارع رمسيس عشرات المصابين وجثامين الشهداء، وامتدت التداعيات لليوم التالي حيث احتجز نحو 300 من المتظاهرين بينهم عدد من النساء والأطفال والجرحى في مسجد الفتح حتى تم اعتقالهم مساء السبت 17 أغسطس.