طفل ذو وجه بريء يأسرك حين تنظر إليه، صوت ندي يُسمع قلبك القرآن قبل أن يُسمع أذنك، طفل في الهيئة، رجل في الفعال والخصال، قتل بالرصاص رغم أنه لم يبلغ الحلم بعد.
الطفل إبراهيم سلطان أحمد حسان، 14 عاما، ولد في محافظة سوهاج في جنوب مصر، كان طالبا بالصف الثالث الإعدادي بمعهد سوهاج الديني، وقتل في أحداث مسيرة منطقة الزهراء بطلق ناري في الظهر 14 يناير 2014.
كان إبراهيم معروفًا بين أصدقائه بأخلاقه الكريمة وسيرته الحسنة، يشهد له كل مَن يعرفه هو وأسرته بحُسن الخلق والتدين، فإذا سمعته وهو يقرأ القرآن بتدبر وخشوع؛ يلامس القرآن قلبك، كما يلامسه حب هذا الفتى الصغير.
قتل إبراهيم أثناء مشاركته في مسيرة مناهضة للانقلاب العسكري، ومطالبة بعودة الشرعية والقصاص للقتلى والحرية للمعتقلين في سوهاج، على إثر إصابته بطلق ناري على يد قوات الشرطة أدت إلى استشهاده.
يصفه شقيقه عبد الرحمن قائلا: “كان إبراهيم أخي الأصغر، وكان أكثرنا أدبًا، وأحفظنا لكتاب الله، وهو طالب في المعهد الديني الأزهري، وبقيت له ثلاث سور من القرآن فقط ليختم حفظ القرآن الكريم كاملا، وكان هادئا بطبعه محبوبا من الجميع، وطوال عمره القصير لم يُغضب أحدًا من الأسرة، ولقد صلى الفجر في وقته في هذا اليوم”.
ويحكى عبد الرحمن عن موقف له مع أخيه لا ينساه أبدًا فيقول: “ليلة استشهاد أخي، كان قد حجز مع أصدقائه ملعبا لكرة القدم، وكنت قد أعرت حذاء الكرة الخاص بإبراهيم لصديقي دون إخباره، ونسيته مع صديقي، فقلب إبراهيم البيت رأسًا على عقب بحثا عن الحذاء وبعدها اتصل بي، فأخبرته أنني أعطيته لصديقي؛ وفي مثل هذا الموقف غالبًا ما تحدث خناقات ومشاكل بين الإخوة، ولكنه وبكل أدب وهدوء طلب مني أن أذهب وأحضره له، ولم يغضب أو ينفعل عليَّ، وعندما تأخرت وتسببت بتأخره على أصدقائه، قالت له والدته: اتصل به مرة أخرى لتستعجله، فرفض، وقال لها: لا أريد أن أزعجه أو أضايقه”.
ويكمل عبد الرحمن قائلا: “نحن كأسرة لم نندم أبدًا على استشهاده، ولو عاد الزمان لخرجنا جميعًا في سبيل الله ندافع عن الحق”.
ويحكي أخوه أحمد تفاصيل يوم الوفاة قائلا: “كنا في تظاهرة سلمية خرجت من جامع الخلافة، وكان أخي إبراهيم مشاركا، وكنت أريده أن يرجع؛ لأنني انتابني شعور قلبي أن شيئًا ما سيحدث له، وكذلك أحست والدتي، كنا قلقين عليه. أعطتنا والدتي قناعا واقيا ضد الغاز، وخرجنا للمسيرة، وبعدما بدأت التظاهرات بقليل بدأ العساكر في إطلاق قنابل الغاز علينا؛ فرددنا عليهم بضرب الطوب؛ فجروا أمامنا، ودخلوا الشوارع الجانبية؛ فدخلنا وراءهم وحاصرناهم، ثم تبدل الحال وحاصرونا، وأطلقوا علينا قنابل الغاز والرصاص الحي، وقد كنت أنا وإبراهيم بعيدين عن مكان الرصاص، وكان معنا في المسيرة صديق اسمه مهند سمعت أنه أصيب برصاصة في قلبه، وذهبنا معه للمستشفى، وطلبت من إبراهيم أن يرجع للبيت، وفي المستشفى جاءني صديقي ضياء، وقال: اذهب لترى أخاك فهو مصاب. ومشيت وأنا مذهول فهو صغير، والله لم يبلغ الحُلم بعد وما زال طفلًا، كيف يضربه الضابط ويصوِّب عليه؟”.
ويستطرد أحمد: “عدت إلى المسيرة، فرأيت وكأن الجيش كله قد نزل إلى الشارع استعدادًا للحرب، وكان الناس قد نقلوا إبراهيم إلى المستشفى، وأخبرني صديقي أن إبراهيم أصيب برصاصة في جنبه، وذهبت إلى المستشفى، لكن إبراهيم كان قد لقي ربه. وعند المستشفى حاول عساكر الأمن المركزي منعي من الدخول، ولكني دخلت ووجدت أخي ملقىً على الأرض، ووجدت والدتي، وقد كانت في قمة الثبات. ظلت تهتف في المستشفى: يسقط يسقط حكم العسكر. وأقسم بالله لم تذرف دمعة واحدة.
وسقطتُ مغشًّا عليَّ، وأخذني بعض أصدقائي، وحين أفقت وخرجت لم أجد جثمان أخي، فقد جاء رئيس المباحث، وأخذ الجثمان لمستشفى الجامعة؛ لاتخاذ الإجراءات اللازمة بعد استشهاده، وظل الضابط يرفع صوته عليَّ ويهددني، وكان يريد اعتقالي”.
وقد قالت أمه وهي في المستشفى أثناء لوعتها عليه: “مَن كان يريد أن يعيش عبدًا فليعش، ومَن أراد أن يعيش بعزة الله وسلطانه فليعش، وإبراهيم ابني حافظ للقرآن، أعزه الله بالإسلام، ومَن لم يعش في عزة الإسلام فليعش في كنف فرعون الطاغية الذي قام بالانقلاب”. وظلت تهتف وسط ذهول الحاضرين: يسقط يسقط حكم العسكر.
تم دفن ابراهيم بموطنه الأصلي في قرية باجا في سوهاج في جنازة مهيبة، ردد فيها المشيعون الهتافات المنددة بالانقلاب العسكري ضد أطفال مصر وشبابها.
وكانت قوات الشرطة المصرية قد اعتدت بالرصاص الحي والخرطوش والغاز المسيل للدموع، على مظاهرة انطلقت من مسجد الخلافة في منطقة الزهراء بمدينة سوهاج، لرفض الانقلاب العسكري ودعوة المواطنين لمقاطعة الاستفتاء على الدستور، وأسفرت الاعتداءات عن وفاة 4 مواطنين من بينهم الطفل إبراهيم سلطان، وإصابة عدد آخر.