فتحي اللقاني الأب والأكاديمي النابه

بطل قصتنا هو الأستاذ الجامعي فتحي محمد أبو اليزيد اللقاني، مدرس الغة العربية وآدابها بكلية الآداب في جامعة قناة السويس، 40 عاما؛ أحد شهداء مذبحة رابعة العدوية.

ولد د. فتحي في قرية كفر إبراهيم التابعة لمركز دسوق في محافظة كفر الشيخ، وعاش فيها مع زوجته هانم سليم وأبنائه الثلاثة عمر ورفيدة ونوران.

عُرف بأخلاقه العالية وتعاملاته الراقية، فأحبه كل عرفوه، كما كان متحدثًا فصيحًا وخطيبًا بارعا.

اختار فتحي المسار التعليمي والأكاديمي، فحصل على ليسانس التربية من كلية التربية بجامعة كفرالشيخ بتقدير جيد جدًا، ثم حصل على ليسانس الآداب من كلية الآداب بجامعة طنطا، ثم درجة الماجستير في اللغة العربية وآدابها في فرع علم الدلالة اللغوية بكلية الآداب بجامعة عين شمس، بتقدير ممتاز، ثم الدكتوراة في فلسفة اللغة العربية وآدابها، وكان عنوان الرسالة “الدلالة اللغوية للأمثال القرآنية”.

عمل في إحدى جامعات مولدوفا، بشرق أوروبا حتى نهاية 2012؛ ثم عُيِّن مدرسًا للغة العربية بكلية التربية في جامعة قناة السويس. وله عدة مؤلفات في اللغة وعلومها.

شارك فتحي في اعتصام رابعة، وكان موجودًا في ليلة الفض، وقبل بدء المذبحة بسويعات قليلة كاد يهمّ بالانصراف هو وزوجته وأولاده، لكنه لما رأى التحركات الغريبة حول الميدان، وشاهد بداية عملية الفض لم يركب السيارة، وترك زوجته وأولاده ليرحلوا هم، ورجع هو إلى الميدان، ليكون مع أصدقائه يؤازرهم، ويشارك في نقل المصابين إلى المستشفى الميداني حتى أصيب بطلق ناري في الرأس أودى بحياته، ونقل جثمانه من مستشفى رابعة إلى مسجد الإيمان.

تقول زوجته هانم سليم: “لقد تعلمت من زوجي المبادئ والقيم، وضرورة الدفاع عنها مهما كلفنا الأمر، وكان دائمًا يذكرني بتجديد النية، ويحدثني عن مكانة الشهداء، وأن الشهادة منزلة عظيمة لا ينالها إلا من يستحقها”.

وتضيف: “كان أبا تربويًا مع أولاده، يقول إنهم ثمرات لا بد أن نعتني بها”.

وتحكي هانم عن ساعاتها الأخيرة مع زوجها الشهيد: “في ليلة الفض خرجنا في مسيرة من مسجد العزيز بالله، ودخلنا ميدان رابعة بعد منتصف الليل، وبعد صلاة الفجر وسماع كلمة الدكتور محمد البلتاجي، طلبت من زوجي أن يوصلني إلى البيت لأنني كنت مرهقة جدًا، فقال سننصرف معًا لأرتاح أنا أيضًا، وسوف أرجع فيما بعد، وبعد أن ركبنا التاكسي نزل هو، وقال لا يصح أن نترك نحن كلنا الميدان، لأن تركنا جميعًا للميدان خيانة، اذهبي أنت وسأبقى أنا. وفي هذه اللحظات أحس بتحركات غريبة، فأخذ ينظر إلى الميدان ثم ينظر إلينا، وهو واقف بجوار السيارة، وكرر هذا الأمر عدة مرات، ثم توجه بسرعة إلى الميدان دون أن ينظر إلينا، وكأنه كان يختار بيننا وبين الشهادة فاختار الشهادة”.

وتستطرد أرملة الفقيد: “اتصل بي بعد وصولنا إلى البيت ولم أتمكن من التواصل معه، ولكن بعد الظهر اتصل به ابني عمر فرد عليه شخص آخر، فأخذت التليفون من عمر، فقال لي هذا الشخص: احتسبي صاحب هذا التليفون عند الله شهيدًا، فكانت صدمة لي، وقلت اللهم أجرني فيما أنا فيه، واخلفني خيرًا منه، واستحييت أن أسمي الشهادة مصيبة”.

أما أخوه محمود اللقاني فيقول: “كان الخبر مفاجئًا وصادمًا لنا جميعًا، توجه الأهل إلى القاهرة لإحضار جثمان أخي، ورفضوا إعطاءهم تصريح دفن إلا بعد التوقيع على إقرار بأن سبب الوفاة هو الانتحار أو السكتة القلبية، لكن تمكنوا بعد ذلك من استخراج التصريح بسبب الوفاة الحقيقي وهو طلق ناري في الرأس”.

يقول صديقه سعيد أحمد أنه “أحد الذين تربوا على يد الدكتور فتحي”، مؤكد أن فتحي كان يحرص على أن يقدم القدوة من نفسه ويراقب أفعاله وتحركاته، فكان يُرى فيه صورة المجاهد.

ويقول سعيد: “عاد  فتحي إلى مصر بعد ثورة 25 يناير وفي ذهنه رؤية تجديدية تهتم بالشباب استقاها من أنشطة المراكز الإسلامية بالخارج، ونظّم ندوات عديدة حول فيروس سي والإنترنت، وكان في نيته المزيد، لكن القدر لم يمهله”.

ومما تحدث به أحد أقاربه في موعظة جنازته: “يقول الله تعالى: (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا)، وأحسب الدكتور فتحي منهم؛ فقد أقام الليل، وتناول طعام السحور لأنه نوى صيام النافلة الست من شوال وصلى الفجر، وودع زوجته وأولاده، واطمئن أنهم غادروا وأنهم في مأمن، وعاد ليقف مع المعتصمين يحمل الجريح ويغيث الملهوف؛ فجاءته رصاصة الخيانة والخسة والنذالة، لتنقله إلى الدار الآخرة شهيدًا في ميدان الدفاع عن الحق في وجه السلطان الجائر”.

وخلّفت مذبحة فض اعتصامي رابعة العدوية والنهضة التي وقعت يوم 14 أغسطس 2013 مئات الشهداء والمصابين، وأدان الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون استخدام العنف ضد المتظاهرين. وقال المتحدث باسمه بان إن الأمين العام “يدين بأشد التعابير حزما أعمال العنف التي وقعت في القاهرة عندما استخدمت قوات الأمن المصرية القوة ضد المتظاهرين”.

وقالت هيومن رايتس ووتش في تقريرها يوم 19 أغسطس 2013: “إن استخدام قوات الأمن المصرية للقوة المميتة على نطاق واسع ومباغت لتفريق اعتصامات يوم 14 أغسطس قد أدى إلى أخطر حوادث القتل الجماعي غير المشروع في التاريخ المصري الحديث”.