مهندد سلام شحاتة، الشيخ البار بأهله

كان مهند سلام شحاتة ، والشهير بـ”الشيخ مهند سلام المصري” داعية إسلامي وقارئ للقرآن الكريم٬ ولد عام 1986 ولقى ربه وعمره 27 عاما٬ كواحد من مئات الضحايا في مذبحة رابعة العدوية، كان يقيم في حي مدينة نصر بالقاهرة٬ وكان زوجاً وأباً لطفلين مريم وعبد الرحمن.

تصفه زوجته فتقول: كلما عزمت أن أكتب عن زوجي رحمه الله تراجعت؛ لأني أعلم أني مهما كتبت فلن أوفيه حقه، ولا أدري من أين أبدأ، ولكني سأحكي عن بعض ما رأيته من زوجي.

فتؤكد أن حياته كانت في العلم والقراءة، فكانا بالنسبة له بمنزلة الماء والهواء، فكان لا يتحرك إلا بالكتاب من أول استيقاظه إلى نومه، كان رفيقًا للقرآن يتحين الفرص للتلاوة والمراجعة، فكان لا يترك القرآن حتى في أيام انشغاله الشديد.

ومما تتذكره أن أول ما ابتدأ به حياتنا بعد عقده عليّ مباشرة هو قراءة القرآن، وتقول كنا نراجعه سويًا تيمنًا به، ووالله لقد رأيت بركة هذا الزواج، أسأل الله أن يتمها على أولادنا، ويجعلهم بركة وفتحًا على أمة محمد صلى الله عليه وسلم٬ فوالله لا أعلم من عمل قد عملته أستحقه به، ولكنه كرم ربي وجوده عليّ، كان رقيق القلب، كثير البكاء، وكل من يعاشره يعلم عنه ذلك.

تضيف “كان معتنيًا بقلبه، مربيًا لنفسه، حسن الخلق والعشرة، فوالله ما رأيت أحدًا في خلقه، كان لي كل شيء؛ أبًا مربيًا وأخًا ناصحًا وزوجًا حنونًا، دخلت عليه ذات مرة فوجدته في حالة بكاء غير عادية لم أرَ مثلها، فوجدته يقرأ في سورة الأنفال، وكان يذكرها، ويدعو بها في وسط كلامه من غير مناسبة، وكان يقول لي: “إن الشهيد يحفظ الله عليه جسده، فلا يمسه أحد”.

كما كان شديد البر بوالديه ويحب إدخال السرور على قلوبهم٬ فقد كان يتقن الطبخ لمساعدة أمه في المنزل٬ حيث كان يستيقظ قبل الجميع لتحضير الطعام والعصائر٬ وأيضا لعمل أصناف معينة؛ لأن أمه رحمها الله كانت تحبها،. كما ذكر في وصيته أنه لا يرجو الله بشيء من أعماله الرحمة كما يرجوه في رضا أمه رحمها الله عنه.

كان في العشر الأواخر من رمضان لا يأكل شيئًا إلا التمر والماء، زهدًا في الدنيا وتفرغًا للعبادة، وقد يظل على ذلك سبعة أيام مثلاً، يكلمه كثير من الناس في أكلة أو شربة فلا يفعل، فتأتيه كلمة من أبيه فقط، فيذعن ويمتثل،

 

مما تتذكره إحدى المعارف عنه: رزقتي الله لقاءات قليلة مع الابن مهند سلام، فهو شقيق مروان زوج ابنتي، وكان القاء أمام البيت، رأيته ويده على ” الأنترفون”، وعينه في مصحفه الصغير، قلت له: السلام عليكم يا شيخ مهند، لم يرفع بصره إلا بعد ما انتهى من الآية، ورد السلام وسلم وحيا بأدبه المعهود. وتقول: حتى دقائق الانتظار لا يضيعها سدى، كانت لله، ومع كتاب الله.

وتضيف: تعلمت منك يا ابني كيف أحافظ على الوقت، تعلمت منك يا بني كيف يكون للدقائق قيمة سامية، وتعلمت كيف يكون القرآن ربيع قلوبنا.”

أما علي يسري أحد تلاميذ مهند فيقول: كان شيخي وأحب الناس إلى قلبي، والله إني لأحبه أكثر من إخوة النسب، وكحب الوالدين، من ست سنوات وأنا تلميذه، ألقاه مرتين في الأسبوع على الأقل، ويوميًا في بعض الأحيان. قلّ وندر أن يتكلم عن أسماء الله وصفاته ولا يبكي، قل وندر أن يصلي بنا صلاة فلا يبكي، قل وندر أن يلقاه أحد إلا ويحبه. أشهد الله أنه لا أحد في الدنيا له فضل عليّ أكثر منه بعد الوالدين٬ هو من علمني التدين، علمني البذل في سبيل الله، علمني بر الوالدين، علمني قيام الليل، كان من أكثر الناس عبادة، وأرقهم قلبًا، وأغزرهم دمعًا، وأنداهم صوتًا بكتاب الله، كان جنة تمشي على الأرض.

وقد قال الشيخ محمد الأزهري وهو أحد أصدقاء مهند: عرفته كواحد من أفضل طلبة العلم، ومن أحسن الناس خلقً وديانة، شاب صالح بار، كم قضينا من ليالي وأيام نذاكر العلم، ونقرأ الحديث والفقه.

يحكي أحد أصدقائه عن موقف جمعهما قبل الرحيل بأيام، فيقول قبل استشهاده بأيام جلس يكلمني عن فضل الشهادة في سبيل الله٬ وكان حريصًا على الوقت، شحيحًا به، يضحي بأي شيء مقابل الحفاظ على وقته، وكان يقول أنا أشتري وقتي بأي شيء، وقد كان يستحضر النية في كل عمل، في النهاية لا أقول إلا صدق الله؛ فصدقه الله، أسأل الله أن يرزقنا الصدق في طلب الشهادة، وأن يلحقنا به في الشهداء، ويجمعنا به في الفردوس الأعلى.

ويقول صديق آخر أنه من المبشرات بحسن خاتمة مهند أنه قبل موته قرأ على بعض الأصدقاء بعد الفجر يوم استشهاده سبعين حديثًا من شمائل النبي للإمام الترمذي٬

أما صديقه عبد الله يسري فيقول رأيت مهند وقد فقد نصف وزنه تقريبًا فسألته مستنكرًا “ليه خسيت أوي كده؟ فأجاب على البديهة مبتسمًا: عشان أبقى خفيفًا على الإخوة لما ييجوا يشيلوني إن شاء الله” وكان هذا قبل وفاته بأيام.

ويحكي صديقه يحيى معروف لحظة وفاة مهند، فيقول ” سهرنا حتى الواحدة بعد منتصف ليلة الفض، ثم نمنا، ثم استيقظنا وصلينا الفجر معًا، وبعدها قرأ الشيخ مهند لنا من الشمائل المحمدية للإمام الترمذي حتى بلغنا الحديث الـ 70، وحينها وصلنا خبر الهجوم على الميدان فقمنا. وقد بدأ الهجوم عند مدخل طيبة مول.

وكان يقف خلف الساتر والرصاص والإصابات في كل مكان، جاء له أحد المعتصمين، فقال له إن أحد الإخوة مصاب أمام الساتر، ولا يستطيع الركض، ويحتاج إلى من يحمله، فتأهّب مهند، وقام لينقذه، فأصيب برصاصة أطلقتها قوات الأمن أصابته في وجهه؛ ليقع أرضًا في أول ساعات الهجوم، فما رأينا منه كلمة تألم، بل سقط، وضم جسده عليه، ثم حملوه إلى المستشفى الميداني؛ لتصعد روحه هناك إلى ربها.”