مصطفى ابراهيم خميس طالب الهندسة والناشط الإعلامي

“مهندس أزهري مصري أحبُّ بلدي وبيتي ووطني” هكذا كان يُعَرِّف بطل قصتنا نفسه، ويرى أن تغيير واقعنا لن يتم بالكلمات، وإنما يحتاج إلى عمل وجِد من شباب جعلوا الآخرة نُصب أعينهم، وأرادوا تغيير مجتمعهم إلى الأفضل.

مصطفى محمد إبراهيم خميس كان يبلغ من العمر 24 عاما، من مواليد قرية كفر العرب في مدينة بنها بمحافظة القليوبية، طالبا في السنة النهائية بكلية الهندسة جامعة الأزهر، مسؤولاً عن اللجنة الإعلامية بالجامعة، عضواً بجمعية صناع الحياة بالقليوبية، كان له شقيقان أحمد وفاطمة (بحسب ما ورد في كتاب الحرية في ميادين مصر.)

لكنه حياته الحافلة انتهت سريعاً عندما قتلته قوات الأمن المصري يوم مذبحة رابعة العدوية التي وقعت يوم 14 أغسطس 2013، عندما كان يشارك في الاعتصام المناهض للانقلاب العسكري الذي أعلنه قائد الجيش المصري في يوم 3 يوليو.

قال عنه والده بأن مصطفى “كان الابن الحبيب الذي يتميز بحسن الخلق، بشهادة جميع أهل البلدة، ولم يكن له عداوة مع أحد، تمنيت أن يكون سندًا لي في حياتي – بعد الله – ولكن المجرمين القتلة حرموني منه، وحسبي الله ونعم الوكيل، هو المنتقم ممن قتله.”

عرفت أسرة مصطفى بما حدث عندما اتصل أحد أصدقائه الذين كانوا يشاركون معه في الاعتصام، وأبلغ أخيه الخبر، يضيف الأب: “رغم ألم الفراق والحزن الكبير الذي ألمَّ بقلوبنا على مصطفى، فإن نيله الشهادة في سبيل الله ودفاعًا عن دينه ووطنه هوَّن علينا مصابنا.”

ويضيف الأب: “لم يكن بوسعي إلا أن أشجعه على أداء هذا الواجب الوطني، خاصة وأننا لم نشم نسيم الحرية في بلدنا إلا خلال السنة التي حكم فيها الدكتور محمد مرسي، رحمه الله.”

كان من أصدقاء مصطفى ممكن كان ضمن قائمة الضحايا، كصديقه اسلام الزمراني.

أما شقيقه أحمد فقال عنه أنه كان متفوقًا في دراسته، يُكرَّم كل سنة، وهو الوحيد بين إخوته الذي درس في التعليم الأزهري، فقد كان محبًا للقرآن والعلم الشرعي، فضلاً عن تمتعه بموهبة كتابة القصة، التي حصل عنها على عدة جوائز.

وقد قالت شقيقته فاطمة بأن مصطفى “كان كثير الاتصال بي والاطمئنان عليَّ، حريصًا على أن أُعلِّم أبنائي الصلاة، وأن يكونوا متفوقين حتى يكونوا نافعين لوطنهم، كان يقضي الإجازة معي أنا والأولاد، يُحفِّظهم القرآن، ويذاكر لهم دروسهم، كما كان يتصل بي في الفجر يوقظني ويوقظهم للصلاة، وترك رحيله فراغاً كبيراً في حياة أبنائي.”

وتضيف أنها عندما كانت تلومه لعدم قضاء شهر رمضان معها ومع أبناءها كان يرد عليها: “عذرًا يا أختي؛ فأنتم في قلبي، ولكن هذا أفضل رمضان قضيته في حياتي، وأجمل عيد قضيته مع إخوتي وأحبابي”.

ويصف شقيقه أحمد كيف غير الموت وجهة رؤيته للأمور السياسية فيقول: “كنت ممن يخالفون أخي الرأي، إذ كان توجهي ناصريًا، وقد أعطيت صوتي لحمدين صباحي، وأيدت تظاهرات 30/6، وكنت أهاجم الدكتور مرسي، لكن عندما وجدت رجال الداخلية المرتشين ورجال الجيش ذوي المصالح موجودين في ميدان التحرير، ورأيت الأزمات قد انتهت فجأة؛ أيقنت أن كل هذه الأزمات كانت مفتعلة.”

“وتأكدت أكثر عندما وجدت مَن يحتفلون بـ 30/6 هم اللصوص الذين يسرقون الدقيق المدعم، والمرتشون، والبلطجية، وبدأت أراجع نفسي، وقلت يجب أن أعترف بأخطائي، حدث هذا قبل استشهاد أخي مصطفى، وبالفعل راجعت نفسي ومع مرور الوقت واتضاح الصورة أصبحت الحقائق جلية، فعلمت بصحة موقف مصطفى رحمه الله.‫

يتذكر أحمد حال شقيقه قبل وفاته، فيقول بأنه إعلان الانقلاب العسكري كان مصطفى دائم الحزن “لم أره سعيدًا إلا يوم العيد صباحًا” وعندما سؤل عن سبب سعادته قال “إن ثلاثة إخوة رأوا لي رؤيا أني أُزفّ، ووالدتي كانت بجواري”. وفهمت الأسرة المعنى أنه الرحيل إلى الله في سبيل الحق.

كان مصطفى معتصمًا في رابعة العدوية منذ بدايته الاعتصام في 21 يونيو 2023، وكان شاهداً لمذبحة الحرس الجمهوري، فاتصلت به أسرته ليعود إلى المنزل، ثم كانت مذبحة المنصة التي كان أحد ضحاياها، عندما اتصلت به أسرته قال ” لن أرجع بعد ما رأيت كل هذه المجازر.” وقد اُلتقطت له صورة مع صديقين له استشهدا قبل أحداث مجزرة رابعة التي قتل فيها، وكان يقول “هما السابقان، وأنا إن شاء الله بهما لاحق”.

وقد وصفه أحد أستاذته بالكلية الدكتور أحمد البيلي قائلا: “كان مصطفى من الشباب النجباء المُجدين أصحاب الخلق، أسّس معي اللجنة الإعلامية بالكلية، وكانت لهذه اللجنة ثمارها، كان يحضر محاضراته، ويلتحق بالكورسات المتخصصة؛ ليُطور من نفسه، ويُطور في اللجنة الإعلامية لاتحاد الطلاب وللحراك الطلابي بجامعة الأزهر.”

لم يراه أستاذه في الأيام الأخيرة من اعتصام رابعة، وعلم أن سبب غيابه هو إرضاءً لأمه – التي كانت تخشى عليه التعرض للخطر – لكنه، كما وصف أستاذه، كان يسترق ساعة أو ساعتين كل فترة ليزور الاعتصام، عندما كان عندما كان يتحدث لأستاذه كان يبدو متألمًا  فكان أستاذه يسرى عنه بتوضيح أهمية بالدور الإعلامي الذي يساعد به زملاءه وهو في منزله، إلى أن تقابلا ليلة فض الاعتصام فسأله أستاذخ متعجبًا: “كيف جئت؟” فرد مصطفى “ما استطعت يا دكتور أن أظل بعيدًا عن رابعة.. ادعُ لي بالشهادة.” يتذكر أستاذه صدقه وهو يحمل كاميرته؛ ليوثق الجريمة البشعة في حق الإنسانية كلها.

أما عن تفاصيل الوفاة فيقول شقيقه أحمد أنه في يوم الفض كلَّم مصطفى الساعة التاسعة والنصف صباحًا، “فطمأنني على نفسه، وقال أنا بعيد عن الضرب، ولكن هو بالتأكيد لم يكن كذلك، بل كان يحاول طَمأنتي فقط؛ لأن كل مَن في الميدان كان مستهدفًا، ثم اتصلت به مرة أخرى؛ فرد عليَّ زميل له اسمه محمود، وسألني: هل أنت قريب المهندس مصطفى؟ فسألته: ماذا حدث له، أصيب أم مات؟ قال: هو استشهد.”

عندما سأل شقيقه عن تفاصيل الوفاة، فقال أحد الزملاء: “بينما نحن واقفون في شارع المرور بجوار ميدان رابعة نُكَبِّر، فوجئنا بمصطفى يسقط أمامنا وعندما نادينا عليه لم يرد، فهززناه، ولكنه كان قد استشهد، رحمه الله وعظَّم أجركم فيه.”