عبد الله منصور.. شجاعة أصقلها التوجيه
بينما الرصاص يطيش في كل مكان، والجثث تتساقط هنا وهناك، وتفاصيل أكبر مذبحة في العصر الحديث تتشكل، استشعر بطل قصتنا أن إحدى تلك الرصاصات ستكون من نصيبه، فكتب يستحث المتابعين للحاق بميدان رابعة ونصرة المعتصمين فيه “الموت في سبيل الله أسمى أمانينا”، ليسقط بعدها مضرجا بدمائه وهو يحمل أحد المصابين إلى المستشفى الميداني.
عبد الله عادل منصور (22 عاما) ولد في محافظة الإسكندرية في 15 ديسمبر/كانون أول 1991، وكان حين مقتله طالبا في الفرقة الثالثة بقسم الإنتاج بكلية الهندسة في جامعة الإسكندرية.
كان الأخ الأكبر لأشقائه الثلاثة، ولدان وبنت، وقتل بفض اعتصام رابعة في 14 أغسطس/آب 2013 برصاصة في ركبته وأخرى في رأسه من الخلف وهو يحمل المصابين إلى المستشفى الميداني.
وصفته والدته بأنه كان شجاعا وبطلا لا يخشى أحدا رغم صغر سنه، وكانت هي بدورها تحاول تقنين وتوجيه هذه الشجاعة في مسارها الصحيح والسليم، فربما جعلته هذه الشجاعة مندفعا حيث كان لا يصبر على رؤية شخص مظلوم.
كان دائما ما يسألها، لم لا نغير هذا الخطأ الذي رأيناه، وهل هناك أوقات لا نستطيع فيها تغيير الخطأ، وكانت معظم أسئلته تدور في هذا المسار منذ صغره.
وفي هذا السياق، يتذكر أخوه محمد أنهم في ثورة 25 يناير 2011 كان شقيقه عبد الله يقف في وجه البلطجية ويمنعهم من الاقتراب من المظاهرات والمسيرات.
كما حرصت والدته أن تبعد ابنها عن رفقاء السوء، وتربطه بصحبة صالحة تدله على الخير وتبعده عن الشر، كما كان يحفظ القران، ويمارس الرياضة، ويتعلم مهارات حياتيه في إدارة الذات، وينفتح على الحياة.
كان حنونا طيبا محبا لأخوته الصغار، يرفق بهم ويخاف عليهم ويلجؤون إليه في أوقات الازمات والمشكلات، هكذا وصفه أحد أخوته. ومما يتذكروه أيضا أنه في يوم من الأيام اتصل بشيخه الأزهري يخبره أنه يشم رائحة الجنة وسأله أن يدعوا الله أن يرزقه الشهادة.
أما شقيقه محمد، فيقول إن عبد الله كان بمثابة الأب الثاني له ولأخوته، فقد كان يخرج معهم للتنزه لظروف عمل والده وانشغاله، كما كان ينتهي من كليته ويجلس معهم يذاكر لهم ويطمئن على أحوالهم.
تحكي والدته أنها تركت الميدان قبل الفض بساعات وعادت مع أبنائها الصغار إلى الإسكندرية، وظل عبد الله ووالده وأقاربهم في الميدان، وما إن حدث الفض حتى اتصلت والدته به للاطمئنان عليه، فأخبرها أنه بخير.
وتقول والدته أنها نزلت في المظاهرات التي خرجت في محافظة الإسكندرية ترفض المذبحة التي تحدث في رابعة والنهضة، ولكن قوات الانقلاب قامت بضربهم بالرصاص الحي والغاز والخرطوش مما أدى إلى سقوط ضحايا.
وتؤكد أنها بعد ذلك لم تستطع التواصل مع ابنها أو مع زوجها، ولكن الضرب والغاز والرصاص قد فرق بين عبد الله وبين ابيه الذي اتصل به ليذكره بتجديد النية لله تعالى، ثم رأت والدته بعد ذلك منشور كتبه عبد الله على موقع فيس بوك كتب فيه “الموت في سبيل الله أسمى امانينا”. وبدأت الأخبار تتوالى عن الأعداد الكبيرة التي تسقط في الميدان.
وبات قلب أمه فارغا بعد المحاولات المتكررة للاتصال ببنها والتي لم تجد نفعا، وفى إحدى المحاولات في الساعة 9 مساء أصبح هاتفه متاحا لكن شخصا آخر رد عليها، لتسأله عن عبد الله فيقول لها أنه بخير، وطلب أن يتحدث مع أبيه، فتخبره أن أبوه في الميدان.
هنا يخبرها من يحمل الهاتف أن عبد الله قد استشهد، فتسترجع الأم، ويعاود المتحدث ويخبرها أنه كان بجوار ابنها حين أصيب برصاصة في ركبته ثم رصاصة أخرى في رأسه من الخلف.
شيع أهالي محافظة الإسكندرية عبد الله بالهتاف والبكاء والدموع على وداع أحد أبنائها الرجال برصاص الانقلاب العسكري، الذي قتل إلا خيرة شباب مصر الذين كانوا حاضرها ومستقبلها.