صورة بطل قصتنا، وهو بين راحتي رمضان المنسي الذي لحقه على درب الشهادة بعدها بدقائق، خلال محاولته حمله بعد استهدافه ليقيه دهس مدرعات الجيش، تعد أحد أشهر الصور التي نشرت من مذبحة فض اعتصامي رابعة العدوية والنهضة.
وجيه محمد عبد الحميد مخيمر (47 عاما)، والشهير بـ “وجيه مخيمر” من مواليد قرية ميت سهيل في مركز منيا القمح بمحافظة الشرقية في السابع من مارس/آذار 1966، كان يعمل في مجال تجارة الحبوب والمحاصيل الزراعية.
كان وجيه مخيمر، متزوجا وأنعم الله عليه بالإنجاب بعد 13 عاما حيث رزق بحنين، التي كانت تبلغ من العمر وقت وفاة أبيها 4 سنوات.
بعد فجر يوم المذبحة، الموافق 14 أغسطس/آب 2013، خرج وجيه من ميدان رابعة ليسافر إلى قريته ويتفقد بعض أموره، لكنه حين رأى مدرعات الجيش والشرطة في طريقها إلى الميدان، عاد أدراجه إلى الميدان ليؤازر أصحابه المعتصمين فيه، في محاولة لمنع فضه، وكان الأجل في انتظاره، حيث أصابته رصاصة اخترقت جسده.
كان بارا بوالديه، ملتمسا رضاهما، وكانت أمه تصفه بالطيب الحنون، ولم يكن يغضب أحدا، يساعد الآخرين، ويدل التائه والضائع ويأخذ الجميع في طريقه، لا يرد سائلا يقصده في شيء.
تتذكر والدته حين أخبرها بنيته الذهاب إلى اعتصام رابعة، كيف كانت في صراع مع نفسها، ما بين شفقة وخوف فطري ترجمته بأن التمست منه البقاء لتربية ابنته التي انتظرها كثيرا، وعدم معارضة صريحة لرغبته في المشاركة، لكن إرادة الله اقتضت أن يكون أجله في فض الاعتصام، لتنشأ حنين يتيمة الأب.
كان وجيه في علاقته بالناس، ساعيا في قضاء حوائج الآخرين دون كلل أو ملل، صاحب قلب طيب، لا يحمل في قلبه بغضا لأي أحد، ويتجاوز عن الإساءة سريعا، ويرى شقيقه في صورته الشهيرة، أسمى معاني سمو النفس والتضحية والفداء وحب الدين والوطن والحرية.
كما يرى فيها على الجانب الآخر صورة للخسة والنذالة والعمالة والخيانة، مبديا فخره بمصير شقيقه في الدنيا، وأمله في أن يكون شفيعا له في الآخرة.
شكلت فترة الاعتصام في رابعة مرحلة فارقة في حياة جيه، حسب شقيقه، حيث صادفت شهر رمضان المبارك وما استلزمه من صيام وقيام، كما شارك في مختلف المسيرات التي تخرج من الميدان، وحضر المشاهد التي سقط فيها عشرات الضحايا، ومنها مذبحة المنصة، حيث سقط أحد شباب بلدته بجواره، وهو عبد المنعم صبحي.
ومن حينها، تعززت لديه أمنية الشهادة أكثر مما كانت عليه، وعندما كان يسأله أحد أصدقائه عن مصير ابنته الوحيدة التي انتظرها بعد سنين طويلة، كان يقول له “لا أخاف على حنين فالجميع يحبها”
يحكي شقيقه عن لحظاته الأخيرة بالميدان، فبعد أن صلى الفجر، يوم المذبحة ركب سيارة أحد الأصدقاء، قاصدا الخروج والعودة المؤقتة إلى بلدته للاطمئنان على والديه وزوجته وابنته، حيث لم يكن قد غادر الميدان من قبل العيد.
وهو في الطريق، شاهد مدرعات الجيش والشرطة وهي في طريقها إلى الميدان للفض، ليقرر العودة، وحين هاتف شقيقه، رجاه ألا يعود، وقال له هناك 7 من الأسرة في الميدان، لكنه أصر وسلم على الجميع سلام المودع، ثم اختفى فبحثت عنه حتى وجدته شهيدًا في قاعة الشهداء بمسجد رابعة.
تجمع حوله أفراد أسرته ممن كانوا في الميدان، وهما 2 من أشقائه وشقيقته، وأبناء إخوته، والأسى والألم يعتصر قلوبهم، وشهدوا إلى جانب ذلك أهوالا شديدة، مما شهده المعتصمون في الميدان، حيث الرصاص المنهمر كالمطر، وقنابل الغاز الحارقة، ومشاهد الجرحى والقتلى حتى خرجوا من الميدان تحت تهديد السلاح.
عادت الأسرة مرة أخرى للمستشفى الميداني لأخذ جثة وجيه، وتم تهديدهم بالقتل إذا لم ينصرفوا، ورفعت في وجوههم الرشاشات من قبل عناصر الشرطة، إلا أنه ومع إصرارهم على استلام جثمان شقيقهم، وعدم اكتراثهم بالتهديد، سمحوا لهم بحمل جثة شقيقهم وجيه وهم مضرجا في دمائه.
حمله أحد أشقائه على ظهره، فيما كانت شقيقته ترفع قدميه حتى استطاعوا الخروج به من الميدان، لتبدأ مراحل أخرى من الأهوال والمصاعب بمستشفى الزهراء ثم المشرحة حتى العودة إلى بلدهم والجنازة.
استقبلت الأسرة نبأ استشهاد وجينه برضا وطمأنينة، وحمدوا الله وأثنوا عليه أن اختار من بينهم شهيدا، ورزقهم السكينة والشعور بالعزة والرفعة باصطفاء “وجيه”، لكن يبدوا أن المصاب كان شديدا على الوالد المكلوم، حيث لحق بولده بعده بأيام قليلة.
استقبلت أسرته وأهل قريته جثمانه بالزغاريد، وكانت جنازته غير مسبوقة، حيث استذكر فيها الجميع مناقبه وأخلاقه وأفعاله، وهتفوا ضد من قتل وسفك دماء المصريين.
لم تنته مآسي آل مخيمر عند هذا الحد، فقد قامت قوات الانقلاب باقتحام منزل الشهيد وجيه مخيمر، وكسرت محتوياته مما دفع اسرته لترك منزلهم، كما قامت باعتقال شقيقه وعدد من أبنائه تنكيلا بهم.