رغم كل محاولات البحث عن جثمانه، وعبر كل الوسائل ومنها عمل تحليل DNA، إلا أن كل تلك المحاولات باءت بالفشل، فأسرة بطل قصتنا لم تعثر على ما يرشدها لجثته بعد مقتله في فض اعتصام رابعة، وبات في عداد من اختفت جثامينهم كالعشرات غيره من ضحايا الفض.
رمضان محمد عطية المنسي (48 عاما)، من مواليد قرية البجلات التابعة لمركز منية النصر بمحافظة الدقهلية عام 1965، وكان يعمل موجها للغة الفرنسية، ومعلما للقرآن الكريم بالقرية.
تزوج رمضان من منى حسين، وكانت هي الأخرى تعمل في سلك التربية والتعليم، مدرسة للغة العربية، ولهم 4 أبناء، وجميعهم كان منتسبا للأزهر الشريف، أكبرهم “أسماء” الطالبة بكلية الطب، ثم أحمد وكان طالبا بكلية الهندسة، يليه خالد، طالب بالثانوية الأزهرية، وأخيرا، جهاد والتي كانت بالمرحلة الابتدائية في الأزهر كذلك.
حفظ رمضان القرآن الكريم كاملاً، وارتبط به تلاوة ومدارسة وتعليماً وتحفيظاً، كما كان حريصا على الامتثال لتعاليمه والتخلق بأخلاقه، شهد له كل من عرفه بحسن الخلق والصلاح والتدين، وعرف كذلك بكثرة الصيام النافلة والقيام وذكر الله في يومه وليله.
اتفقت زوجته وأبناؤه على أنه كان متمثلا لخلق النبي في خدمته لأهله، كما كان صديقاً لأبنائه، يحرص على نفعهم وتوجيههم في حب وشفقة لما فيه خيرهم، وقد أتموا حفظ كتاب الله، ومن حرصه على ربطهم بكتابه الله كان يجمعهم على ما أسموه “لقاء الأهل” يتلون خلاله القرآن ويتدارسونه سوياً.
كان له أثر على أصحابه وزملائه، يستذكر صديقه إبراهيم عطا، صوته الشجي في قراءة القرآن، ودوره في توعيته وغيره من خلال محاضرات ودورات، بقيم القرآن وعلومه، مضيفا بأن له “صوت خفيض وحياء بليغ، ودور رائد في تحفيظ معظم أبناء قريته القرآن، كما كان خدوما محبا لوطنه”.
لم يكتف رمضان بإيصال الفكرة والمعلومة عبر تلقينها، بل كان قدوة عملية أمام الجميع، يعمل قبل أن يتكلم، تجده في مقدمة الصفوف، يختار العمل الشاق لنفسه ابتغاء مرضاة الله، حسب شهادة أقرانه، وتتلمذ على يديه معظم الجيل الحالي من مشايخ قريته في تلاوة القرآن الكريم حفظا وترتيلا وتجويدا.
وإضافة إلى ذلك، كان حليما على من يجهل عليه، محبوبا من كل من تعامل معه فهو هين لين متواضع، دمث الخلق، محب لعمله، لا تفارقه الابتسامة.
مما ميزه عن غيره، همه الشديد بالناس ودعوتهم إلى الله، والأخذ بيد المحتاج، ومساعدة الفقراء، والقيام بالواجبات الاجتماعية في الفرح والمواساة وزيارة المرضى وصلة الأرحام.
ورغم كون حاله البسيطة كغيره من أغلب أفراد المجتمع المصري، كان رمضان يتوقف عن إعطاء بعض الدروس الخصوصية لانشغاله بالأعمال المجتمعية والخدمية، حسبة لله، كما كان رفيقا بأولياء الأمور إذا أعطى درسا لأولادهم.
يحكي أحد أولياء الأمور، بأن الأستاذ رمضان أعطى ابنه درساً خصوصياً، فدفع له ثمن الدرس، فإذا به يعيد إليه أكثر من نصف المبلغ ويضعه في جيبيه مصرا على ذلك، فبكى الرجل لأنه يعلم أن الأستاذ رمضان يساعده بذوق وأسلوب رقيق.
يقول في حقه صديقه هاني الإمام، “عرفت رمضان مثالاً طيباً للتواضع والبساطة والهدوء والصدق، أحسبه كذلك ولا أزكيه على الله”، فيما يضيف صديقه إسلام كشكش “كان صاحب ابتسامة إيمانية وكان خيّر وكريم ومؤدب جداً”.
كان رمضان محبا لدينه ووطنه، على قناعة تامة بأن له دور تجاه وطنه والدفاع عنه وحمايته من الفاسدين واللصوص، وكان صاحب وعي سياسي بالمشهد المصري، مدركاً لطبيعة الصراع الدائر، باذلا في سبيل أدائه لدوره بوقته وماله ونفسه.
حين وقع الانقلاب العسكري في الثالث من يوليو/تموز 2013، كان من أوائل من لبوا نداء المشاركة في الاعتصام والتظاهر السلمي، للمطالبة بعودة الشرعية، وفي سبيل ذلك أخذ إجازة من عمله، وشد رحاله إلى ميدان رابعة العدوية، ولازم الاعتصام فيه بشكل كامل لا يخرج إلا للأمر الملح.
وإلى جانب ذلك، كان يحض زوجته وأبناءه على الخروج والمشاركة في المسيرات التي تخرج في محافظتهم المنصورة، ويقول لزوجته وهو يشحذ همتها لإخراج أولادهم “لا تخافي عليهم، فأفضل أن يقال عن ابننا أو ابنتنا شهيد أو شهيدة عن أن يقال دكتور أو مهندس”.
بعد انقضاء شهر رمضان، قال لزوجته إنه قضى هذا العام أجمل رمضان مر عليه في الطاعة والعبادة والتقرب الى الله، وأبدى شكره لله على حسن توفيقه له،
تنقل عنه أن كان راجيا للشهادة فى سبيل الله، دائم الدعاء “اللهم ارزقني الشهادة”، وفي ظل تتابع سقوط شهداء والتهديد المتزايد من قبل السلطات عبر وسائل الإعلام بفض الاعتصام بالقوة، زاد تأهبه للشهادة وإعداد نفسه لها.
وفي صباح يوم 14 أغسطس 2013 والمعروف بمذبحة فض اعتصام رابعة والنهضة، كان رمضان في الصفوف الأولى بالميدان ناحية طيبة مول والتي فوجئ المعتصمون فيها بإطلاق الجيش والأمن النار بوحشية غير مسببة ولا متوقعة.
كان رمضان من أوائل شهداء الميدان الذين ارتقوا في السابعة صباح ذلك اليوم. واحترق جثمانه ثم اختفى، ولم تعثر عليه أسرته حتى كتابة هذه السطور.
وبعد الفض، علم أهله بوفاته لما رأوا صورته مقتولاً على إحدى صفحات موقع فيسبوك، وذهبوا للبحث عنه في كل مكان بالقاهرة واستمر البحث 4 أيام، لكنهم لم يعثروا عليه، ثم قاموا بعمل تحليل DNA لعل جثته تكون هي إحدى الجثث المتفحمة، لكن مشرحة زينهم أخبرتهم أنه لا وجود لجثمانه في المشرحة.
لا يعلم أحد حتى الآن تفاصيل مقتل رمضان المنسي، وكيف اختفى جثمانه، إلا أن صورة شهيرة واحدة له توثق لحظاته الأخيرة وهو يحتضن الشهيد وجيه مخيمر، وهناك مدرعة تحاول الاقتراب منه، وقد تم العثور على جثمان وجيه مخيمر، ولكن لم يتم العثور على رمضان المنسي.