محمود الزيبق.. إقدام رغم السن والمرض
لم يمنعه كبر سنه ولا عمر طويل امتد قرابة 15 عاما تحت وطأة الإصابة بمرض السرطان، أن يلتزم الحضور والتواجد في اعتصام رافضي الانقلاب العسكري بميدان رابعة العدوية، حتى أصيب في مذبحة فضه إصابة أفضت إلى وفاته، ليكتب اسمه ضمن كوكبة ضحايا جريمة العصر.
محمود عبد الفتاح الزيبق (66 عاما)، الشهير بالحاج “محمود الزيبق” من منطقة السيوف التابعة لمحافظة الإسكندرية، وكان رجل أعمال يعمل بمجال المقاولات والبناء، وله من المهام والأعمال ما يلهي منتسبي هذا القطاع، لكنه لم يكن راضخا لتلك الظروف، وأبى إلا أن يكون له حضوره في المشهد.
كان الحاج محمود متزوجا وزرق بولدين و3 من البنات، منهم من تزوج وأنجب، حيث كان للحاج محمود حين مقتله 9 من الأحفاد والحفيدات.
أصيب بطل قصتنا بالسرطان مرتين في حياته، وبدأ رحلة علاج امتدت سنوات، ليكتب له الله التعافي من المرض في كلتا المرتين، وأدى ذلك إلى استئصاله للطحال وآثار أخرى منهكة ومقعدة، لكنه كان قوي العزيمة راضيا بقضاء الله وقدره، متوكلا على الله.
كان معطاء لا ينقطع عن عمل الخير ومساعدة الفقير والمحتاجين، وله في ذلك باع طويل ومسارات مختلفة ومتعددة من العطاء، ومنها على سبيل المثال، اعتياد مرضى من البسطاء الذين لا يملكون قيمة دوائهم على الحضور إليه، ليقوم بشرائه لهم دون مقابل، وكذلك مساعدته الفتيات اليتامى في اقتناء حاجات الزواج.
وصفه بالمعطاء اتفق عليه الأهل والجيران، لتلك الأدوار التي كان يعلمها ويشعر بها كل من عرفه وتعامل معه، ومن ذلك ما يحكيه أحد جيرانه عن مساعدته للمحتاجين والأيتام، وإقامته المعارض الخيرية ومشاركته المباشرة في تنفيذها رغم كبر سنه.
كان كذلك غوثا لمن يلجئ إليه أو يطلب منه المساعدة، بل يتجاوز ذلك إلى المبادرة لفعل الخير عبر البحث عن المحتاجين وعدم انتظار سؤالهم وطلبهم، وهو الأمر الذي يعتبره أحد رواد المسجد الذي كان يصلي فيه دليل إخلاص وصدق في العمل، كمان أنه كان يهتم بالمسجد ويفتحه قبل صلاة الفجر بساعة للعبادة والقيام.
اهتمامه بالشأن العام إضافة لعمله في مجال العقار والبناء، لم يصرفه عن دوره مع أسرته وأبنائه، ومن ذلك ما يحكيه ابنه عن نمط التربية التي كان يمارسه معهم، والقائم على تنشئتهم على المحافظة على الصلوات وقراءة القران وحسن الخلق في التعامل مع الناس، وخدمة المحتاج.
لم يترك الحاج محمود الزيبق ميدان رابعة إلا أياما معدودة، حسب شهادة زوجته، وذلك للاطمئنان على أسرته، ثم يسارع بالعودة مرة أخرى للاعتصام، فقد قضى شهر رمضان كاملا في رابعة، وهو يقول لأسرته إنه وسائر المعتصمين لن يعودوا إلى منازلهم إلا بالنصر أو الشهادة.
يوم الأربعاء الرابع عشر من أغسطس/آب 2013، استيقظت أسرة الحج محمود كسائر الشعب المصري على أخبار فض اعتصام رابعة، فتجمعت الأسرة عند والدتهم لمتابعة الأخبار وللاطمئنان على أبيهم، بعد أن رأت إحدى بناته عبر صفحة من صفحات التواصل الاجتماعي المتابعة لأحداث الفض، صورة له وهو مصاب في كتفه.
حاولت الأسرة الاتصال عليه مرارا وتكرارا، لكنهم لم ينجحوا في ذلك، لكنه في ذات الوقت كان يتواصل مع ابنه مصعب، الذي كان موجودا في الميدان أيضا وتم القبض عليه يومها، وحكم عليه بالسجن المشدد لمدة 15 سنة و5 سنوات مراقبة، ولا زال قيد الاعتقال.
لم تعلم الأسرة بخبر استشهاد الحاج محمود إلا مساء رغم سقوطه قتيلا أول اليوم، وكان من أخبرهم بالنبأ شقيقه طه الذي كان يعلم منذ الصبح، لكنه فضل إخبارهم مساءا، وكان وقع الخبر صادما على زوجته التي لم تتمالك نفسها وسقطت مغشية عليها، وقاموا بمحاولة إفاقتها.
حاولت أسرته الاتصال بأصدقاء والدهم في الميدان لمعرفة مكان الجثمان، حتى علموا من خلال أحد أصدقائه أنه موجود في الطابق الثاني بالمستشفى الميداني، وعندما ذهب لأخذه وجد قوات الانقلاب بدأت في إشعال النار بالمستشفى بما فيها من جثث ومصابين، وعلى الفور حلموه وأخرجوه سريعا ثم نقلوه إلى مسجد الإيمان.
وعلى الفور، سافر ابنه محمد مع عمه إلى القاهرة لاستلام الجثمان، حيث وجدوه في مسجد الايمان ثم ذهبوا به إلى مشرحة زينهم لاستخراج شهادة الوفاة وتصرح الدفن، وكما العادة تم الضغط عليهم للموافقة على أن يكتب في التقرير أنه مات منتحرا، وهو ما رفضه الجميع وأصروا على كتابة سبب الوفاة الحقيقي، ثم نقلوا الجثمان إلى محافظة الإسكندرية للصلاة عليه ودفنه.
ازداد تأزم الأسرة بعد أن علموا بنبأ اعتقال مصعب ابن الحاج محمود الزيبق، والذي كان حينها يبلغ من العمر 21 عاما، وللتو أنهى دراسته بكلية الحقوق، وظهرت نتيجته وهو قيد الاعتقال، كما أنه لم يتسن له المشاركة في جنازة ودفن والده.
كان الحاج محمود على تواصل مع ابنه مصعب حيث أخبره أنه أصيب برصاصة قطعت إصبعا من أصابع يده، قام بلفه بقماشة ولم يذهب إلى المستشفى الميداني، ثم أصيب بطلقات خرطوش في كتفه وصدره، وبعدها أصيب برصاصتين في قلبه فارق على إثرها الحياة.
دفن الحاج محمود زيبق يوم الجمعة الموافق 16 أغسطس/آب 2013 وشيعه جمع غفير من أهالي الإسكندرية، وسط هتافات غاضبة طالبوا فيها بالقصاص ونددوا بالمذبحة البشعة التي أودت بحياة المئات.