على خطى الصحابي “عمرو بن الجموح” حينما أبى الترخص وتمنى أن يطأ الجنة بعرجته، أقسم بطل قصتنا على المضي في درب الحق حتى منتهاه، وكان آخر العهد به أن كتب “والله لأزحفنّ بك إلى الجنة زحفا حتى يكون الكلأ منك لا مني… أيظن أصحاب محمد أن يستأثروا به دوننا؟ كلا لنزاحمنهم على الأبواب حتى يعلموا أنهم تركوا من خلفهم رجال”.
محمد أيمن عبد العزيز (21 عاما) من قرية قحافة بمحافظة الفيوم، كان طالبا في الفرقة الثالثة بكلية الحاسبات والمعلومات بجامعة عين شمس، والتي كانت خاتمة قصته في حرمها، حين أنهت رصاصة الغدر التي أطلقها قوات الانقلاب، تلك القصة وفاضت روحه في 15 مايو/أيار 2014.
عرف محمد بنشاطه واجتهاده، وتفانيه في سبيل رفعة وطنه وأمته، وكان مشاركا في نشاطات طلابية متعددة، تعمل على خدمة الطلاب، وتوعيتهم بقضايا أمتهم وفي مقدمتها، “تحرير فلسطين والأقصى” والتي كانت في مقدمة همومه، وقبل وفاته بنحو 4 أشهر دعا الله أن يرزقه الشهادة، ليرى أصحابه في ذلك صدقا بتحقق مطلبه.
ترعرع محمد على القيم النبيلة والأخلاق الحميدة، ويحكي عنه عمر حسنين، الذي كان إماما لمسجد عمر بن الخطاب، بمنطقة وادي حوف في القاهرة، كيف أن محمد كان حريصا على ارتياد المسجد وهو طفل، واصفا إياه في تلك المرحلة بـ “الملاك الصغير” حيث كان هادئا ملتزما الأدب والسمت الجميل.
يستحضر في سياق حكايته عنه، حين جاءه وشقيقه أحمد قبل سفرهم لأداء العمرة، وسألوه إن كان لديه مطلب يحتاجه من البقاع الطاهرة، فيطلب منهم الدعاء، ثم يحرصوا بعد عودتهم على أن يبلغوه بأنهم دعوا له عند الكعبة بكل ما طلب.
كان له أثر بالغ في أقرانه وذويه، يحرص على تعهدهم بالنفحات الإيمانية والنهوض بهم ويستغل في سبيل ذلك الفرص، ومن ذلك ما يحكيه صديقه “محمد أحمد” حينما استغل جلسة مع بعض أصدقائه وطلب منهم أن يكتب كل واحد أكبر ذنب فعله في ورقة.
كان المطلب محرجا وغريبا، وأبى أغلب الحاضرين الأمر، فبادرهم بقوله “أنتم خائفين الآن من كتابته على ورقة تكون معكم، فما بالكم بربكم وهو المطلع على كل شيء”، ثم يسألهم “ألا تظنون أنه ربما يكون هذا الذنب هو سبب تأخير نصر الله لنا”.
وقف على حسن خلقه الصغير والكبير، والقريب والبعيد، فلم يتعامل معه أحد إلا أسره بهذا الخلق الحسن، ومن ذلك ما وصفه به الحاج عبد العزيز عشري وكان أحد رموز محافظته الدعوية، بأنه كان شابا تقيا، نقيا، ذكيا، وطالبا متفوق، وبارا بوالديه، هين لين سهل اجتماعي مرح يألف ويؤلف.
حرص محمد على أن يكون ذا علاقة فريدة بكتابه ربه، وكان يحفظ نصف القرآن، ويعمل على أن يعيش به، ويستحضر قصص البطولة للمقاومين في فلسطين ويحلم بالمشاركة في تحريرها ويسأل الله الشهادة على أعتاب المسجد الأقصى.
من آخر ما ظهر فيه محمد، مشاركته في أداء صلاة الظهر بساحة الجامعة قبل بدئه وأصدقائه مسيرتهم التي استهدفتها قوات الأمن، وكان واقفا في خشوع بجانب الإمام، يؤمن على دعائه وهو لا يعلم أنها لحظاته الأخيرة.
يوم الأربعاء الموافق للتاسع من أبريل/نيسان 2014 اقتحمت قوات الانقلاب حرم جامعة عين شمس، لفض مظاهرة طلابية خرجت منددة بالانقلاب العسكري، وأطلقت رصاص الخرطوش وقنابل الغاز المسيل للدموع، ليصاب محمد أيمن بـ 3 بليات خرطوش في الرأس، تسببت في شقِّ بالمخ وتهتك المخيخ.
نقل محمد على إثر ذلك إلى المستشفى، وظل في العناية المركزة حتى لفظ أنفاسه الأخيرة يوح الخميس الموافق 15 مايو 2014، واستقبلت أسرته هذا القدر في إيمان ورضا، وظهرت أمه في مقطع فيديو مؤثر وهي تلقي عليه السلام الأخير وتودعه لمثواه الأخير.
لم يكن محمد أيمن أول أو آخر ضحايا استهداف قوات الأمن لطلبة الجامعة، فقد سبقه ضحايا ومصابين وتبعه آخرون تم استهدافهم دون مراعاة لحرم الجامعة ولا لغيره، ووثق موقع “قتل في مصر” قصص عدد منهم، وفي مقدمتهم أنس المهدي وإسلام أحمد غانم.
شيعت جنازته من مسجد نور اليقين بحدائق حلوان بالقاهرة وسار في جنازته جمع غفير من زملائه وأصدقاءه وأحبابه وتحولت الجنازة إلى مسيرة ضخمة هتف المشاركون فيها ضد الانقلاب العسكري، وخلالها ألقى أحد أصدقائه وصيته التي تضمنت توصيته لذويه بالصبر والرضا بقضاء الله، والثبات على الحق، وتركت أثرا كبيرا في المشاركين.