“كلنا أخوان مسلمون.. وللسلف متبعون.. وللأزهر منتمون” كلمات طالما رددها بطل قصتنا، والذي لم يمل من الدعوة على منبره للوحدة بجميع أشكالها، فحظي بحب الجميع ومنهم جيرانه في الوطن من المسيحيين، ويبلغ هذا الحب، حد مساعدتهم له في تنظيم صلاة العيد تطوعا لما كان يمثله من ألفة ومحبة بين سكان حيه ومنطقته.
جمال محمد السيد زغلول الشهير بالشيخ جمال زغلول (41 عاما) من مواليد قرية كفر الحمام التابعة لمركز بسيون في محافظة الغربية، في الثلاثين من مايو/أيار 1972.
توفي والده وهو صغير، فتحمل مسؤولية أخيه وشقيقتيه، وكان يعملُ مديرا لمديرة أوقاف الرمل في محافظة الإسكندرية، ولإجادته وجمال صوته، كان يُبتعثُ للعمل إماما وخطيبا خلال شهر رمضان بدولتي الكويت وأمريكا.
كان متزوجا، ولديه بنتان، أسماء وإسراء، وابن، عبد الرحمن، والذي كان يبلغ من العمر عامين ونصف وقت استشهاد والده.
اعتقل الشيخ جمال أكثر من مرة، وهو في مراحل الدراسة خلال عهد المخلوع محمد حسني مبارك لنشاطه الطلابي في الجامعة، وكان لنشاطه وتفاعله، أثر في التضييق عليه قبل الثورة، سواء في المجال العملي أو الأكاديمي، وهو يناقش رسالتي الماجستير والدكتوراه.
فتل الشيخ جمال في أحداث مذبحة “سيدي جابر” التي وقعت يوم الجمعة بعد إعلان الانقلاب العسكري بيومين، في الخامس من يوليو/تموز 2013، بعد ما أدى خطبة الجمعة التي أَطلقَ عليها روادُ المسجد بخطبة الوداع، لما حوته من كلمات قوية انتصر فيها للمظلوم، واستذكر الحديث النبوي: “سيد الشهداء حمزة ورجل قام إلى إمام جائر فأمره ونهاه فقتله”، وكان يتمنى الشهادة فنالها.
تصفه زوجته إيمان بأنه كان خير زوج لها ونعم الأب لأبنائه، وتستذكر مداومته على الأعمال الصالحة، وحرصه على أداء صلاة الفجر في المسجد، ومتابعة تلاوة القرآن الذي كان يحفظه، ويحرص على أن يعيشه ويَمتثلُ أوامرهُ ويُطبقها في جميع جوانب حياته.
كان كذلك حريصا على أعمال البر ومساعدة الغير، وكان مسجده معروفا بانه من أكثر المساجد التي تجمع التبرعات والمساعدات للمحتاجين والمُتعففين، كما كان من أوائل المساجد التي عملت على دعم الأسر السورية التي وفدت إلى مصر بعد اندلاع الثورة في سوريا عام 2011، وجمع تبرعات لصالحهم.
كان حريصا على تحفيظ أبنائه القرآن، وأثمر ذلك إتمام ابنته الكبرى أسماء حفظ 17 جزءا قبل وفاته، وأكدت زوجته عزمها السير في ذات الطريق واستكمال مشوار زوجها حتى يتم الله على أولادهم نعمة حفظ كتاب الله ويلبسانهما تاج الوقار في الآخرة.
كانت شقيقته سارة تعتبره بمثابة الأب بعد وفاة أبيها وهي صغيرة، وكان لها نعم الموجه في الحياة والناصح الأمين على عمل الخير وحفظ القرآن، لافتة إلى حرصه الشديد على امتثال ما يدعو إليه من فوق المنابر، وتستذكر في هذا السياق، تحرجه من تخصص خطب للدعوة إلى صلة الرحم، لأنه يرى تقصيره في ذلك.
تحكي ساره عن حب الناس الشديد له، واتساع دائرة هذا الحب لتشمل جيرانه من المخالفين له في الديانة، فقد كان مسجده قريب من كنيسة، ولم يسبق أن وقعت أي خلافات أو مشاكل مع جيرانه المسيحيين، بل كان يقوم بزيارتهم والتعرف عليهم، واتسمت علاقته بهم بالود والمحبة.
وكان من ثمرة هذه العلاقة الودودة، قيام جيرانه من المسيحيين، بالمشاركة في تنظيف أرض صلاة العيد، تقديرا للشيخ جمال وإظهارا لمحبتهم واعتزازهم بالعلاقة معه.
كان الشيخ جمال صاحب همة عالية، ودأب ملحوظ، ومن ذلك ما تذكره زوجته كدليل اجتهاده في تحقيق أهدافه العلمية والعملية رغم ما كان يمارس عليه من تضييق خلال عهد مبارك، حتى وإن أدى الأمر إلى تأخر تحقيق تلك الأهداف والطموحات.
بعد ثورة يناير التي أحيت لدى قطاع عريض من الشعب المصري الإحساس بالانتماء الوطني، كان الشيخ جمال ضمن تلك الفئات، ولم يهنأ المصريون كثيرا، حتى وقع الانقلاب العسكري، وهو الأمر الذي رفضه آلاف المصريين بعد أن فطنوا لمؤامرة العسكر لسرقة أصوات المصريين.
وبمجرد إعلان قائد الجيش آنذاك، المشير عبد الفتاح السيسي انقلابه العسكري، حتى انطلقت المسيرات في شوارع مصر، وشارك فيها الشيخ جمال كما غيره من رافضي الانقلاب، وتستذكر زوجته كيف أن كان لا يأتي للبيت إلا لتناول الطعام وتغيير ملابسه، ثم يعاود النزول إلى الشارع للمشاركة.
وفي يوم الجمعة 5 يوليو/تموز 2013 خطب الشيخ جمال خطبة، أعلن فيها بوضوح موقفه من الانقلاب العسكري، ولم يخش على نفسه ولا على عمله المهدد بإعلان هذا الموقف، ودعا الله أن يكتب له الشهادة، ثم انطلق للمشاركة في المسيرات والمظاهرات التي جابت شوارع المحافظة حتى وصلت إلى منطقة سيدي جابر في المنطقة الشمالية العسكرية.
هناك بدأ الاعتداء على المتظاهرين من قبل عناصر البلطجية وقوات من الداخلية والجيش، وأصيب الشيخ جمال بطلقتين في بطنه، وظل ينزف حتى حُملَ إلى المستشفى العسكري القريبة من المكان، وتركوه فيها لينزف حتى الموت بعد سحب المحاليل التي كانوا قد وضعوها له، رغم وعظه لهم بأن يتقوا الله فيه، لكن كانت القلوب قاسية.
تقلت الأسرة نبأ استشهاده بينما كانوا يتابعون أخبار المظاهرات والمسيرات يوم الجمعة على التلفاز، وتلقى أهالي القرية الخبر في صدمة لم تقتصر على رافضي الانقلاب، وإنما شاركهم الصدمة داعمون له ممن كانوا يعرفونَ أخلاق وبر الشيخ جمال بأهالي قريته.
كانت جنازة الشيخ جمال مهيبة، حضرها جمع غفير من مسقط رأسه ومن المحافظة الإسكندرية التي كان يقيم ويعمل فيها، ودفن في مسقط رأسه بقرية كفر الحمام.