تامر عبد الرؤوف.. شهيد الصحافة وحظر التجوال

لربما ظن البعض أن العمل تحت مظلة مؤسسات داعمة للانقلاب، أو أن إظهار تأييد النظام المنبثق عنه يؤمن من ناره ورصاصه، لكن وقائع مختلفة بددت هذا الظن، حيث لا أمان للمحايد والمؤيد فضلا عن المعارض، ومن تلك، قصة مقتل ميادة أشرف، ومثلها قصة مقتل بطل قصتنا.

الصحفي تامر عبد الرؤوف مدكور (35 عاما) من مواليد 20 فبراير/شباط 1978 بقرية بنى غريان التابعة لمركز قويسنا في محافظة المنوفية، وتخرج من كلية العلوم التربوية قسم لغة إنجليزية بجامعة المنوفية عام 1999، وأكمل دراساته العليا في الجامعة الأمريكية بالقاهرة.

في عام 2000 التحق بالعمل في جريدة الأهرام، وبعدها بعامين، أصبح مديرًا لمكتبها في محافظة البحيرة، وفي عام 2011 وهو عام ثورة 25 يناير/كانون أول، اختير من مؤسسته للسفر في بعثة تدريبية إلى بريطانيا.

قتل تامر وهو عائد من مهمة صحفية من قبل كمين للجيش في 19 أغسطس/آب 2013، تاركًا زوجة شاركته المسار العملي، وهي الصحفية في بوابة الأهرام إسراء قنديل، وطفلته سارة التي كانت في الخامسة من عمرها.

كان شديد الهم بسبب ما يراق من دماء كثيره خلال مرحلة الانقلاب وما سبقها من محطات تلت ثورة يناير، ويحاول الحيلولة دون الانجرار للفتنة والاقتتال الأهلي، وكان آخر ما كتبه عبر حسابه بموقع فيسبوك، قبل وفاته بأيام، في 22 يوليو/تموز 2013، “أؤكد أن 70% مما تنشره الصحف وتبثه القنوات الفضائية ليس إلا أكاذيب ومعلومات مغلوطة وقلب للحقائق ويدخل ضمن الحرب النفسية والإعلامية التي تحاول الأطراف المتصارعة في مصر حسمها لصالحهم”.

وصفته شقيقته أسماء بـ”صاحب القلم الحر، الصادق المنافح عن كل مظلوم، الساعي في قضاء حوائج الناس، فصيح اللسان، طاهر الجنان، قوى البيان، الذي لا يخاف في الله لومة لائم”.

في التاسع عشر من أغسطس 2013، خرج تامر لإلحاق ابنته الوحيدة سارة بروضة للأطفال، وبعد انتهاء الإجراءات كان في طريقه لحضور لقاء تعريفي بالمحافظ الجديد لمحافظة البحيرة، اللواء مصطفى هدهود، بصفته مديرا لمكتب الأهرام، والذي ضم عددا من الصحفيين.

بعد انتهاء اللقاء، كانت الساعة لم تتجاوز الثامنة والنصف مساءً، لكن حظر التجوال الذي فُرض بعد فض اعتصامي رابعة والنهضة، بدأ لتوه في السريان، وكان عبد الرؤوف، وصديقه الصحفي حامد البربري، رئيس رابطة الصحفيين في المحافظة، و3 صحفيين آخرين، آخر المنصرفين من اجتماع المحافظ الذي أخبرهم أن حظر التجوال مرفوع عنهم، نظرًا لأنهم في مهمة رسمية كصحفيين.

قام عبد الرؤوف بإيصال أصدقائه الثلاثة خالد التونسي، وأمال السيوي، محمد عبد العزيز، إلى منازلهم، وتبقى معه صديقه حامد البربري وكان في طريقه لإيصاله لمجمع مواقف السيارات بدمنهور.

عند مرورهم بالمجمع، كان هناك كمينًا للقوات المسلحة، وعندما اقتربت السيارة من الكمين، أمرهم فرد من أفراد الأمن المتواجدين بالكمين، بالانصراف فورًا، والعودة من حيث أتوا، ودون نقاش.

بدأ عبد الرؤوف، الاستدارة بسيارته، والعودة تنفيذا للأمر، إلا أن رصاصة خرجت مسرعة من فوهة سلاح أحد الجنود أصابته، واستقرت برأسه من الخلف، ليلفظ أنفاسه الأخيرة، حسب رواية البربري الذي يعد الشاهد الوحيد على الواقعة في تقرير نشرته صحيفة المصري اليوم.

أوضح البربري، أنه طلب من صديقه تامر التوقف بعد إطلاق النار، إلا أنه أخبره أنه لا يستطيع التحكم في عجلة القيادة، إذ سقط بعدها على عجلة القيادة، وسارت السيارة بدون قائد، ولم يوقفهما إلا الاصطدام بأحد أعمدة الإنارة، حيث فقد البربري الوعي حينها، وتم نقلهما إلى مستشفى دمنهور العام.

وكالمعتاد، لم يكن هم قيادات الانقلاب إلا تبرئة ساحته وساحة رجال أمنه من المسؤولية، وأكد الجيش عبر تصريحات للمتحدث العسكري نشرها في صفحته الرسمية، أن إطلاق النار كان رد فعل طبيعي على ما زعمه من كسر الصحفي تامر حظر التجوال والتحرك بسرعة كبيرة دون الامتثال للنداءات المتكررة بالتوقف.

وقال المتحدث أن الأمر أثار ارتياب أفراد الكمين، وهو ما دفع قوة الكمين للتعامل معهم بما يستلزمه خرقهم حظر التجوال، وإطلاق النار على السيارة بشكل مباشر، مشددا على أنه لم تكن هناك أي مبالغة في إطلاق النار على السيارة المذكورة، أو تعمد لقتل من فيها.

وعلى الفور، خرجت مطالبات من مجلس نقابة الصحفيين، للتحقيق العاجل في واقعة “استشهاد الزميل تامر عبد الرؤوف”، وإصابة الزميل حامد البربري، مدير مكتب الجمهورية في البحيرة.

وقال خالد البلشي عضو مجلس نقابة الصحفيين حينها، إن المسألة لا تتحمل أي مناورات، ويجب الكشف عن المتسبب في هذه الواقعة، مؤكدا أن الصحفيين من حقهم أن يتحركوا في أوقات حظر التجوال، مع إشارة إلى شكاوى عدد من الصحفيين، لعدم تنفيذ هذا الاستثناء منذ بداية الحظر.

ويبدوا أن اختلاف الشاهد الوحيد “حامد البربري” مع ما ساقه المتحدث العسكري لتبرئة ساحة أفراد قوة الكمين، أغضبت قادة الانقلاب العسكري، حيث صدر قرار في 21 أغسطس، بحبسه 4 أيام على ذمة التحقيق وهو لا يزال يتلقى العلاج ولم يتعاف بعد من أثر الحادثة.

خرجت وسائل الإعلام حينها لتقول إن الإحالة كانت لاتهام الشرطة للبربري بإطلاق النيران على كمين مشترك مع الجيش من بندقية محلية الصنع وجدوها في دواسة سيارة تامر عبد الرؤوف.

أثار الأمر غضب نقابة الصحافيين، وعلق عضو مجلس إدارتها، هشام يونس، عبر حسابه بـ “فيسبوك”، “السادة الصحفيون.. الداخلية مش هتنضف.. مرحبا بعودتنا لسلالم النقابة”، وهو ما دفع النيابة العسكرية في اليوم التالي إلى إطلاق سراحه بضمان محل إقامته في القضية المتهم فيها بحيازة سلاح ناري ومقاومة السلطات.

الأمر أثار حفيظة العديد من المنظمات الصحافية الدولية، والتي طالبت في بيانات بالكشف عن حقيقة ما حدث للصحفي تامر عبد الرؤوف، ومنها منظمات مراسلون بلا حدود و الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة يونسكو و لجنة حماية الصحفيين.

ظل الصحفي تامر حاضرا في ذاكرة الصحافة والصحفيين، يتذكرونه الخير في مناسبات مختلفة، وفي أعوام متتالية، ومن ذلك ما كتبه نائب رئيس تحرير الأهرام أحمد أبو شنب، والذي وصفه بالصحفي الإنسان الوطني شهيد الصحافة.