حسن همام.. البار المحبوب
“فقدت أبر أبنائي.. من كان يحرص على تقبيل يدي كل يوم” كلمات عبرت بها والدة مكلومة عن عظم ما فقدت، بعد مقتل ابنها خلال فض اعتصام رابعة العدوية، فأن تفقد الأم فلذة كبدها بلاء شديد، ويعظم البلاء حين يكون الابن هو الأميز بين إخوته.
حسن همام (27 عاما)، من محافظة الإسكندرية، تخرج من جامعة الأزهر، وكان إماما لمسجد حيه، كما عمل مدرسا للغة العربية بإحدى المدارس الحكومية.
لم يكن البر العالي بوالدته هو السمة الوحيدة المميزة لحسن، فحسب وصف والدته، كان طيب السيرة والمسيرة، حسن الخلق مع الآخرين ساع في قضاء حوائجهم، لا ينشغل بسفاسف الأمور، ولا يضيع وقته فيما لا يفيد، يوزع وقته بين بيته والتزاماته الأسرية، ومدرسته التي يعمل فيها، ومسجده الذي يقدم الخير فيه للآخرين.
أكسبه عمل البر والسعي في قضاء مصالح الآخرين وخدمتهم حب الناس، ورغم تأثر بعض أبناء حيه بتزييف الإعلام الرسمي للحقائق، واعتبارهم المشاركين في اعتصام رابعة “إرهابيين” إلا أن نبأ مقتل حسن خلال فضه شكل صدمة دفعت الكثيرين منهم لتغيير مواقفهم، فمن المحال أن يصدقوا أن يكون حسن إرهابي.
لم يأت هذا الحب الجارف لحسن من فراغ، فما من عمل خير إلا حرص على المشاركة فيه، وما من مبادرة مجتمعية خدمية إلا وتصدر صفوف المساهمين في إنجاحها، ومن ذلك حملات تنظيم الشوارع والميادين، وتوزيع شنط المواد الغذائية الرمضانية وغيرها على المحتاجين، وكان يقضي في ذلك معظم وقته ولا يعود إلا في أوقات متأخرة من الليل.
تستحضر شقيقته صباح في هذا السياق، شهادات زملائه في المدرسة التي كان يعمل بها، وتأثرهم الشديد بفقده وما كانوا يحكون من صفاته الحسنة وخلقه الراقي ودأبه وإخلاصه في العمل.
لم يتخل عن تصرف اعتاده مع والدته، وهو تقبيل يديها، فحسب ما أكدته شقيقته، كان الوحيد بين إخوته من يحرص على هذا الأمر، والالتزام به بشكل دوري، كما كان يحب إدخال السرور على قلبها والحديث معها، ولذا كان أثر استشهاده عليها عظيم.
كانت والدته تحلم بيوم زفافه، وكانت والأسرة مشغولة بتجهيز شقته التي كان من المفترض أن يتزوج فيها، إلا أنه لم يكن يظهر اهتماما بالأمر، بل كان يمازحهم بين الفينة والأخرى ويقول لهم، إنه سيتزوج في الجنة.
انضم لاعتصام رابعة العدوية في أيامه الأولى، وبدأ التواجد فيه من يوم 28 يونيو/حزيران 2013، وكان متفائلا يحمل يقينا بأن النصر قادم لا محالة، ويبشر غيره به، حيث لم يتوقع في أسوء الاحتمالات أن يتم فض الاعتصام بهذا الأسلوب الدموي والوحشي.
أصيب حسن في أحداث الحرس الجمهوري بطلقات خرطوش في الرأس، إلا أنه كان حريصا ألا يعلم أحد بأمر تلك الإصابة، وحين حاولت أسرته الاطمئنان عليه عبر الهاتف، كان يتهرب ويجعل أصدقاءه يردون بدلا عنه، ولما علموا بإصابته، طلبوا منه العودة للاستراحة وطمأنة والدته، فرفض وأصر على الاستمرار، حيث كان شديد التأثر باستشهاد رفيق دربه محمد التهامي.
في يوم الفض، تابعت الأسرة كغيرها أخبار الميدان وأهوال ما تعرض له المعتصمون من مذبحة، حتى وصلهم خبر بإصابة حسن، وكان شقيقه الأكبر يقوم بواجب عزاء في محافظة سوهاج، فعاد سريعا إلى القاهرة، وانضم إلى باقي أفراد الأسرة والأقرباء في البحث عن حسن وتلمس أخباره.
علموا أنه استشهد، وعثروا على جثمانه إلا يوم الخميس بمسجد الإيمان مع باق جثامين الشهداء مع جثامين التي استطاع المعتصمون إخراجها من ميدان رابعة قبل إحراق المسجد، وأنهوا التصاريح واستخرجوا التقرير الطبي بعد إصرار على أن يكتب سبب الوفاة فيه “طلق ناري في الصدر”.
وبينما كانت الأسرة تستعد للخروج بالجثمان والذهاب لدفنه في الإسكندرية حاصرتهم قوات الانقلاب في المسجد ومنعتهم من الخروج، وأطلقت قنابل الغاز المسيل للدموع وطلقات نارية خارج المسجد، ما أدى إلى تسرب الغاز داخله واختناق أهالي وذوي الشهداء.
تدخل إمام المسجد للتوسط لدى قوات الأمن لإخراج الأهالي بالجثامين، على إثره طالبت قوات الأمن جميع من في المسجد بالخروج وإخلائه من الجثث وذويهم وإلا تم اعتقالهم.
خرج أحمد شقيق حسن بجثمانه، ورفض نقله بسيارة إسعاف كما كانت قوات الأمن تحاول دفعهم إليه، وأصر على أن ينقل الجثمان بسيارة ملاكي تابعة له خشية التحفظ على الجثمان، وتمكن من ذلك بصعوبة شديدة.
وصلت الأسرة إلى الإسكندرية، وكان مشهد الجنازة مهيبا حيث شارك فيها جمع غفير من أهالي المدينة، وتعالت فيها أصوات الزغاريد كأنهم يزفون عريسا ليلة عرسه، وكان في ذلك أمارة واضحة على حب الناس له، وعدم تصديقهم ادعاءات الإعلام التي تتهمه وغيره من شهداء الميدان بالإرهاب، كما تعالت الهتافات المنددة بالانقلاب العسكري وجرائمه.