أسامة الدسوقي.. رحيل على أعتاب مكتبة الإسكندرية
بعد توارد أنباء فض اعتصامي رابعة والنهضة في القاهرة الكبرى، خرجت مظاهرات عديدة في جل المحافظات المصرية ومن بينها عروس الشمال، محافظة الإسكندرية، حيث توافدت جموع غفيرة من المواطنين في الشوارع والميادين الرئيسية تنديدا بما يتم ارتكابه من مذابح بحق المعتصمين.
وكان رد فعل قوات الانقلاب العسكري دمويا والذي كانت ثمرته ألا تقتصر المذبحة على الميدانين الرئيسيين، لتمتد أنهار الدماء في ميادين وشوارع وجنبات باق الوطن، ويسقط الضحايا في مختلف المحافظات ومنها الإسكندرية التي شهدت سقوط بطل قصتنا.
أسامة أحمد الدسوقي (33 عاما) من أهالي مدينة الإسكندرية، حيث ولد في الأول من يوليو/تموز 1980، وتخرج من كلية التجارة جامعة الإسكندرية 2002، وعمل محاسبا بإحدى شركات القطاع الخاص.
تزوج أسامة عام 2006، وأنجب طفلان كان أكبرهما واسمه أحمد قد بلغ من العمر حين الوفاة 6 سنوات، فيما كان عمر الثاني، عز الدين، سنتان.
كان أسامة مخلصا في جميع مسارات حياته، ومن ذلك عمله كمحاسب، حيث كان صاحب الشركة التي يعمل بها لا يستأمن أحدا في العمل وعلى مال الشركة قدر استئمانه أسامة، كما كان يحكي والده، فقد كان أمينا متفوقا في عمله.
كان أسامة بارا بوالديه، حسبما أكد والده، محبا لإخوته محبوبا لديهم، ذهب بوالديه قبل استشهاده لأداء العمرة، وكان يتعهدهم ويلبي مطالبهم ويوفي احتياجاتهم، وكان يحرص على الخروج بهم للتنزه بهدف إدخال السرور على قلبيهما وإسعادهما، ولذلك كان والده يراه بطلا.
فيما يرصد أحد أشقائه جانبا آخر من شخصية أسامة، فيلفت إلى أنه كان له حال مع الله من صلاة بالليل وذكر لا يفتر عنه وحرص على الأوراد اليومية، ومصحفه وسجادة صلاته ومسبحته شهود على ذلك الحال.
فقده كان شديدا على من عرفه وتعامل معه، وكان بطبيعة الحال أشد على والدته فوزية مدبولي، التي قالت إن العيد الذي تلي وفاته كان أسوأ عيد مر عليها، فقد كان مصدرا للفرح والبهجة وإدخال السرور عليها وعلى جميع الأقرباء والمعارف في هذا اليوم.
تتساءل في حزن واستنكار، لماذا قتلوا ابني الذي كان مضرب المثل في جميع خصال الخير التي تتمناها أي أم من ابنها، وتستحضر في هذا السياق كيف أنه إذا اتصلت به لتخبره باشتياقها له وأنها لم تره منذ أيام، يأتيها في ذلك اليوم بعد عمله ولو كان بعد منتصف الليل، ليسلم عليها ويقبلها قبل العودة لمنزله وأولاده.
أولاده الذين أعانوها لاحقا على تحمل الفراق، فرغم حزنها الشديد بسبب ذلك الفراق، فإن وجود أولاده في حياتها أعطى لها قيمة أملا.
كان أسامة مهموما بوطنه وأمته ومستقبلهما، لمست ذلك زوجته فاطمة متولي منذ أن تعرفت عليه، حيث كان يحدثها عما تعاني منه مصر ظلم وفقر واضطهاد.
وعندما اندلعت ثورة 25 يناير، حرص على المشاركة من أول يوم في المظاهرات التي خرجت بشوارع الإسكندرية، كما كان له دور في تنسيق اللجان الشعبية التي حمت المنازل والمؤسسات العامة، وكانت مهمته حماية الكنيسة المجاورة لبيتهم، وكان يرد على تعجب زوجته من ذلك بأن حماية المؤسسات العامة لا يقل أهمية عن حماية المنازل.
كانت تقف على حرصه مع أصدقائه خلال المظاهرات التي شهدتها الإسكندرية في مراحل الثورة المختلفة، على تكوين سلاسل بشرية تحمي تلك المؤسسات ومن بينها أقسام الشرطة والمستشفيات والكنائس، كما كان أهالي الحي يتصلون به في أي وقت من اليوم إذا كانوا يواجهون مشكلة لما يعرفون عنه من إغاثة الملهوف.
كما كان له دور في مساعدة الأسر السورية التي نزحت إلى مصر عقب تفجر الأوضاع في سوريا، حيث كان يجمع لهم المواد الأساسية مثل الأغطية والملابس والطعام حسب ابنه أحمد.
همه لم يكن محدودا بالوطن والأهل والأسرة، فقد كان يعبر دائما عن حلمه بالمشاركة في تحرير المسجد الأقصى والاستشهاد على أبوابه، وكان يحرص على بث هذه المعاني في ولديه، مع ما كان معروفا عنه من حنيته وشفقته بهم، وحرصه على أن يبهجهم ويدخل السرور عليهم.
كان أسامة واصلا لرحمه معروفا بسبقه ومبادرته في المناسبات والأعياد للوصال مع الأقارب والأصدقاء، ومن ذلك ما يستذكره.
صديقه أحمد الذي تعرف عليه في الجامعة، وكيف أنه كان طيب القلب صاحب همة عالية، حيث كان أول الواصلين لكليته، وآخر من يغادرها.
يحكي شقيقه علي ملابسات يوم الاستشهاد، فيقول إن أسامة عندما سمع بما يحدث في فض اعتصام رابعة، سارع بالنزول للمشاركة في المظاهرات المنددة، وعندما اتصل عليه ليعرف مكانه ويلحقه، قال له لا تترك والدينا حتى لا يموت اثنان من منزل واحد.
عند الساعة الرابعة عصرا، أصيب أسامة برصاصة قاتلة عند مكتبة الإسكندرية، وفي ذلك تحكي زوجته أنها كانت على تواصل معه قبل الاستشهاد بعشر دقائق، وقال لها إنهم وصلوا عند مكتبة الإسكندرية، والشرطة قد انسحبت من أمامهم، إلا أنه عند مرورهم من أمام المكتبة، فتحت قوات الأمن النار عليهم ليصاب برصاصة ويسقط على الفور.
يقربنا صديقه أحمد أكثر من المشهد حيث كان برفقته، ويقول إنه عند مرور المسيرة من أمام مكتبة الإسكندرية على كورنيش البحر، إذا بالقناصة تخرج وتطلق عليهم وابل من الرصاص، وعندما رأى أسامة قناصا يصوب فوهة سلاحه على أحد المتظاهرين، جرى إليه ليحميه فاخترقت الرصاصة جسده وتهشم رأسه وظل يردد الشهادتين حتى فاضت روحه لبارئها.
في اليوم التالي، شيع جمع غفير من أهالي الإسكندرية، أسامة الدسوقي، وسط حالة من الحزن والبكاء، ضمن آخرين سقطوا في هذا اليوم، والذين لم يكونوا أول ولا آخر ضحايا هذا الانقلاب الدموي الغاشم.