أحمد المغربي.. رافض الظلم متجاوز الانتماءات
لعل الصورة النمطية لمن شارك في المظاهرات الرافضة للانقلاب العسكري الذي وقع بمصر في 3 يوليو 2013 أن المشاركين ينتمون لحزب سياسي، أو لجماعة دعوية إلا أن بطل قصتنا لم يكن ضمن ذلك الإطار.
أحمد علي عبد الفتاح المغربي (23 عاما) ولد بمنطقة “العوايد” في محافظ الإسكندرية وحصل على مؤهل متوسط وكان يعمل في مجال السياحة، ولديه شقيقتين، كانا أصغر منه سننا.
كان أحمد شابا مفعما بالطاقة والحيوية والأمل، يحلم كما حال فئته العمرية بوظيفة وسكن وزوجة وأطفال واستقرار، إلا أن ذلك لم يكن ليهون لديه من قيمة رفض الظلم والوقوف ضده مهما كانت التضحيات والمخاوف، وكان ذلك دافعه الأساسي للاهتمام بالشأن العام والمشاركة في الفعاليات الرافضة للانقلاب العسكري.
كانت أسرته بسيطة، وربما تعرضت لما تعرض له أغلب الشعب المصري من معلومات مغلوطة وأكاذيب بثها الإعلام المصري المؤيد للانقلاب بشأن معارضه وطبيعة مطالبهم وحراكهم، فعمل أحمد على تصحيح تلك الصورة، وتوضيح مجريات الأحداث في البلد لهم.
بدأ اهتمامه بالعمل العام بعد الانقلاب، حيث شارك في المسيرات المظاهرات التي جابت شوارع الإسكندرية من أقصاها إلى أقصاها، حتى قتل في مذبحة سموحة قرب مسجد على بن أبي طالب، في 16 أغسطس 2013، والتي عرفت بمذبحة الحي الراقي والمتزامنة مع جمعة الغضب الثانية حيث سقط فيها ٣٣ شهيدا.
كان أحمد حنونا على أختيه ووالديه، يعمل على خدمتهم وقضاء حوائجهم كما ذكرت والدته، وعرف كذلك بشهامته مع الأقارب والجيران، وتستذكر أمه أحلامه الطبيعية بالحصول على عمل محترم وتكوين أسرة صالحة، وتربيتهم له على كره الظلم والنفور منه.
وتضيف والدته أن ابنها كان قبل وفاته يلح عليها في الزواج، وبذات الحماسة يحكي لها عما يحدث في مصر، مبديا رفضه وانزعاجه مما يقترفه العسكر في مصر من ظلم واعتداء على الحقوق.
حنانه على شقيقتيه وعطفه عليهما، جعل العلاقة بينه وبينهن أشبه بعلاقة الصداقة، مع واجب الأخوة وسماتها، وذلك حسبما تحكي شقيقته هبة، التي تؤكد أنه كان دائم الاهتمام بهن.
كان حريصا على نقل ملابسات الواقع ومشاهداته خلال مشاركته في الفعاليات الرافضة للانقلاب العسكري لأختيه، فبعد كل مسيرة كان يعود للمنزل ويحكي ما رآه وشاهده خلال الاحتجاجات والمظاهرات السلمية.
وكان لذلك أبلغ الأثر على الأسرة، فحسب ما تحكيه شقيقته هبة، كانت الأسرة في بداية الأمر تصدق الرواية التي يمررها العسكر من خلال منابره الإعلامية، ومن ثم كانوا يعلنون تأييدهم لممارسات الجيش، إلا أن نزول أحمد وحرصه على نقل صورة صحيحة للمشهد غيرت لهم تلك القناعات والمفاهيم المغلوطة.
كان يحكي لهم ما تقوم به قوات الجيش والشرطة من اعتداءات على المتظاهرين السلميين والتي تنتهي بسقوط قتلى وجرحى في صفوف المتظاهرين، وكيف أن هذه المظاهرات تضم كافة أطياف وشرائح المجتمع المصري، وكيف اعتدت قوات الأمن عليهم بعد أن احتموا في المساجد مثل ما حدث في مسجدي سيدي بشر والقائد إبراهيم.
تؤكد هبه أن “رفض الظلم” كان الدافع الرئيسي لنزول شقيقها الذي ليس له أي انتماء سياسي.
تحكي في تأثر موقفا حدث معها قبل وفاته بـ 3 أيام، حيث كان أحمد خارجا من البيت، فسألته عن سبب نزوله ووجهته، فقال لها، إنه ذاهب إلى المقابر لزيارة جده وعمه، لأنه رآهم في منامه وهم يقولون له متى ستأتي لنا.
عن ملابسات يوم استشهاده، يحكي الوالد المكلوم التفاصيل، فيقول إن أحمد خرج صبيحة الجمعة ١٦ أغسطس ٢٠١٣ في تمام الساعة التاسعة، وعندما سأله عن سبب النزول مبكرا، قال إنه خارج للبحث عن عمل في منطقة جناكليس عند مجموعة من أصدقائه.
يتابع الوالد “بعد صلاة الجمعة اتصلت به لأسأله أين هو الآن فقال، إنه في انتظار إجراء مقابلة مع صاحب العمل الجديد، فطلبت منه أن ينهي المقابلة ويعود للبيت”.
ظل أحمد حريصا على ألا يشغل بال والديه بمشاركته في الفعاليات، واتصل بوالدته عقب صلاة العصر وقال لها إنه في جنازة في مقابر المنارة بالإبراهيمية، فطلبت الفراغ من الجنازة والمسارعة بالعودة حتى يشاركهم في طعام الغداء بالمنزل، فوعدها بذلك.
عند الخامسة، رن هاتف الوالدة، وإذا برقم أحمد، فبادرت بالرد معاتبة، “لماذا تأخرت يا أحمد ولم تأت في موعد الغداء” فإذا بصوت غير صوت أحمد يجيب “أنا مش أحمد”، فترد الوالدة بدورها “أنا والدة أحمد.. هو فين”، فيرد عليها صاحب الصوت “أحمد استشهد”.
وقع الخبر كالصاعقة على الوالدة، وانهارت من فورها، ثم سألوا المتصل عن مكان جثمانه، فأخبرهم أنه بمستشفى المدينة الطبية في منطقة مصطفى كامل.
يؤكد والد أحمد انهم وصلوا المستشفى بصعوبة شديدة نتيجة كثافة ضرب النار الذي تقوم به قوات الجيش والشرطة، وحين تمكنوا من الوصول، وجدوه مضروب برصاصة في القلب خرجت من ظهر، وكتبت المستشفى في تقرير الوفاة “طلق ناري بالجهة اليسرى أسفل القلب”.
بعد نقل الجثمان إلى المشرحة لتشريحها، خرج تقرير الوفاة النهائي متضمنا سبب الوفاة (طلق ناري) دون الإشارة للفاعل، رغم ما أكده جميع شهود العيان من أن الجيش هو الذي كان يضرب النار على المتظاهرين السلميين.
ورغم معاودته التأكيد أكثر من مرة أن ابنه أحمد لم يكن منتم سياسيا إلى أي حزب أو جماعة، وأنهم كأسرة لم يكن التظاهر والمشاركة في الفعاليات في الشارع طريقهم إلا أنه لفت إلى تفكيره في رفع قضية ضد الجيش لقتلهم ابنه أحمد، ثم تراجع عن ذلك، بعدما تأكد أنه لن يستطيع الحصول على شيء أو محاسبة قتلة ابنه في ظل هذه المنظومة.
لم يتمالك الوالد المكلوم نفسه، وعادت دموعه تنهمر وهو يؤكد في ختام حديثه ضمن برنامج “أحياء في الذاكرة” بقناة الجزيرة، أنه بمقتل ابنه أحمد، فقد حلمه الأسمى في الحياة، وباتت حياته بلا معنى، مستدركا بحمد الله والرضا بقضائه وقدره، وتمنيه أن يمن الله على وطنه بتحسن الحال، كما كان يأمل ابنه أحمد ومن ماتوا معه.
كانت جنازة أحمد حاشدة رغم كونه غير منتم لجماعة أو حزب تحشد له، كيف لا وقد مات رافضا للظلم، متجاوزا في رفضه ذلك كل الانتماءات والكيانات.