أحمد يحيى.. باسم الثغر محب عمل الخير

يترك الفراق أثرا بالغا على دوائر من قتلوا غدرا وهم يسعون لرفعة وطنهم ويحرصون على الحفاظ عليه ومنع سرقته، ويكون الأثر أشد حين يكون الشهيد ناجحا حالما قد بدأ يرسم خطوط مستقبل واعد، ومنهم بطل قصتنا.

أحمد يحيى عيد (29 عاما)، من مواليد مدينة الإسكندرية عام 1984، وتخرج من كلية التجارة بجامعتها، وهو من أسرة طيبة السمعة والمعشر، مكونة من والدين و3 أشقاء هو أكبرهم، حيث كان لديه شقيقيه، طبيب الأسنان عبد الرحمن، والمهندس محمد.

بدأ أحمد حياته المهنية كمحاسب، وقبل وفاته بسنوات فتح مكتبه الخاص في المحاسبة القانونية، حيث كان قد بدأ يخطوا خطوات النجاح والتميز، حالما بمستقبل يخطه بجهده واجتهاده ومواهبه التي لا تخفى على من حوله، وهو الأمر الذي دفعهُ للإقدام على خطوة الخطوبة والارتباط.

كانت هنا حياةٌ جديدةٌ تَرتسمُ أمامَ بطل قصتنا، جدٌ وسعيٌ في الحياة وفتحُ مكتب خاص وإقدام على خطوةِ الارتباطِ، إضافة إلى نشاط مجتمعي وسعي في العمل العام وقضاء حوائج الناس، وكان معروفا في هذا السياق بابتسامة لا تفارقُ مُحياه، وكل ذلك دونَ استهداف مقابل.

لكن هذا الصورة الجمالية لمستقبل مأمول مزين بأحلام منطلقة من واقع بني على جهد وكد واجتهاد، مَزقتها رصاصةٌ غادرةٌ خَرجت من فُوهةِ بندقية الداخلية المصرية مساء يوم الجمعة في 5 يوليو/تموز 2013 خلال الأحداث التي عرفت بمجزرة سيدي جابر.

المهندس يحيى عيد، والد أحمد يصفه في حديثه عنه بأنه كان ابنا وصف بارا مطيعا لوالديه، واصلا لرحمه، محبا لأقاربه، يسعى دائما في خدمتهم، يشاركهم وغيرهم الأفراح والأتراح، فقد كان إيجابيا مبادرا لا ينتظر أن يطلب منه أي أمر، بل كان يبادرُ إلى العملِ بكلِ نشاطٍ وهمه.

فيما يقول شقيقه محمد في تصريح خاص لموقع “قتل في مصر”، إن أحمد كان أخًا وصديقًا وفيًا ومُحبًا للجميع وكانت له علاقات وطيدة وقوية بجميع أصدقائه، حيث كان لا يتأخر عليهم في أي شيء.

ويتابع مضيفا، كان أحمد يقوم بأعمال خير كثيرة، في مساعدة الآخرين، ويتضاعف نشاطه الخيري في شهر رمضان٬ حيث كان يقوم وأصدقاؤه بتحضير وتجهيز شنطة رمضان لتوزيعها على الفقراء والمحتاجين ابتغاء وجه الله تعالى، ودونما أي مقابل.

كما ينقل موقعنا عن صديقه صلاح، بأن أحمد كان من أكثر المتحمسين والداعمين لثورة 25 يناير/كانون ثاني 2011، وقام بجهد واسع في حثي والكثير من الأصدقاء على النزول في يوم الجمعة التالي لانطلاق الثورة والذي عرف بجمعة الغضب في 28 من يناير 2011 ضد نظام الرئيس المخلوع حسني مبارك.

وظل أحمد يشارك ويحث الآخرين على المشاركة في جميع مشاهد الثورة ووقفاتها التالية حتى حصل المراد وتخلصت مصر من عصر ديكتاتورية مبارك الجاثم على صدور المصريين منذ عقود.

فيما يرى عبد الرحمن أن شقيقه أحمد “مات على طريق الحق الذي اختاره لنفسه”، ورفض أن يُلقي الانقلاب العسكري بصوته وإرادته في الشارع، ولم يترك ميدان مقاومة ذلك بشكل سلمي، حيث خرج بصدره العاري ضد رصاص قوات الجيش والأمن، وأصيب مرتين بالخرطوش، بينما كانت المرة الثالثة بالرصاص الحي.

يحكي شقيقه محمد عن واقعة الاستشهاد، فيقول خرج أحمد يوم الجمعة 5 يوليو 2013 في مظاهرة حاشدة ضد الانقلاب العسكري جابت شوارع الإسكندرية، وحين وصلت المظاهرة منطقة سيدي جابر، بدأ الاعتداء عليهم بشكل مشترك من قبل البلطجية والشرطة.

وتابع: “عندما اقتربوا من المنطقة الشمالية العسكرية في سيدي جابر، انضمت قوات الجيش للداخلية، وبدأ مسلسل الاعتداء الوحشي على المتظاهرين السلميين، وفي تلك الأثناء، حرص أحمد على تذكير أصدقائه المتظاهرين بالثبات وقراءة آية الكرسي.

عانا أحمد في بداية الاعتداء على المظاهرة بالاختناق من الغاز المسيل للدموع، ثم ذهب للاستراحة قليلة وقراءة أذكار المساء مع أحد أصدقائه، ثم عاود التظاهر من جديد أمام اعتداءات البلطجية والداخلية فأصيب في وجهه بطلقة خرطوش، ثم أصيب بطلقة خرطوش في يده.

ذهب للعلاج مرة أخرى ثم عاد للميدان، وكانت الرجعة الأخيرة، وكأنه كان مصرا على ألا ينتهي اليوم إلا وقد حظي بشرف الشهادة، وهو ما كان حيث أصيب بالرصاص الحي، ليسقط مضرجا في دمه.

فجع الكثيرون في أحمد، ودمعت لأجله الكثير من العيون، وخرجت جموعٌ غفيرةٌ لتشيعه، ليس من أبناء منطقته “شدس” فقط، وإنما من كافة مناطق الإسكندرية، حيث امتدت علاقاته ومحبته طولا وعرضا في المحافظة الساحلية الكبيرة.

دعا له المشاركون بالرحمة والمغفرة، ولقاتله بالخزي والعار وأن ينتقم الله منه وممن فوضه، وكان المصاب شديدا على خطيبته، التي عانت من آثار هذا الفقد نفسيا، وأثرت في جميع من رأوا أثر المصاب عليها، في مشهد ممزوج بالعبرات والآهات، ضمن حلقات استهداف الانقلاب العسكري لخيرة الشباب.