فتحي هليل.. غدروه في مأمنه

لم يُعط فرصة للدفاع عن نفسه أو افتدائها وهو الأعزل الآمن في منزله بين أولاده وحرمه، حيث طالته رصاصة غدر ممن يفترض بهم تأمينه وحمايته، ليسقط أمام نظرات فزع من ابنته بعد أن استغلوا براءتها في الاسترشاد إليه.

فتحي هليل (40 سنة) من مواليد الثالث من أكتوبر/تشرين أول عام 1974، كان يقطن في نزلة عليان بمدينة الصف في محافظة الجيزة، وكان يعمل أمين مخازن بشركة “أسيك أوتوميشن”.

لفتحي ولد وبنتين، مريم (14 سنة) وحذيفة (10 سنوات) وحنين (4 سنوات)، شهدا مع والدتهم لحظات رعب وهلع، أثناء مداهمة قوة أمنية منزلهم وهم في أحضان والدهم، انتهت بخاتمة مأساوية، حينما أطلقوا النار على الوالد الأعزل، ليصاب إصابة قاتلة، يظل ينزف بسببها ويفارق الحياة قبل إسعافه.

يحكي أحمد إبراهيم، وهو أحد أقاربه، عن طفولته، وكيف أنه نشأ نشأة إسلامية، وكان يحب أن يحدث الناس عن الدين والخلق القويم، ويسعى في خدمة الناس منذ صغره، ويغار على الحق ويدافع عنه، ويقف لنصرته مهما كان، لا يخشى في الله لومة لائم.

فيما يستحضر أحمد السيد (أحد جيرانه)، حماسته قبل دخول رمضان، وحرصه على جمع الأطفال لتهيئتهم لاستقبال الشهر المبارك، عبر أجواء احتفالية محببة، كما كان يفعل ذات الأمر في الأعياد.

عرف فتحي بأعمال الخير وتقدمه في هذا المضمار، وعن ذلك يحكي ابن شقيقته، أحمد سامي، جانبا من هذا الأمر، وخاصة في شهر رمضان، وتجهيزه حقائب للأطفال اليتامى، ومساعدته للأرامل والمساكين.

أجمع من عرفه في عمل وجيرة، أنه كان رجلا دمث الخلق، عاملا بالقرآن بعد أن حفظه، مخلصا فيما يقوم به، مدافعا عن الحق بارا بوالديه، وقد توفي والده على صدره بعد أن طلبه من بين جميع أهل بيته في مرض موته، ليراه ويأنس به.

كانت علاقته حميمة مميزة مع الجميع، واصلا لرحمه، تأثر الجميع لنبأ مقتله على يد قوات الأمن ولم يصدقوا روايتهم التي ادعوا فيها أنه تبادل إطلاق النيران مع القوات التي داهمت منزله، وأنه أصيب خلال ذلك، وتوفي متأثرا بإصابته بطلق ناري في البطن.

شكل آخر من أشكال عمل الخير كان يحرص عليه فتحي، حسب صديقه علي أحمد، وهو جمع البطاطين في الشتاء لدعم المحتاجين بها، وإرسالها إليهم.

في 31 مايو/أيار 2014 داهمت قوات الأمن منزله للقبض عليه في إطار استهدافهم لرافضي الانقلاب العسكري، ولما هو معلوم من انتهاكات صارخة يتعرض لها من يقع في أيديهم، حاول فتحي الفرار للنجاة من بطشهم.

اعتلى فتحي سطح منزله، إلا أن قوة الأمن ارتابت بعدما لم تجده أثناء تفتيشهم لمنزله، وقيامهم بما اعتادوا عليه من تخويف وتخريب، فسألوا في غلظة زوجته، فقالت إنه غير موجود، واتجهوا بدها بالسؤال لابنته الصغيرة حنين التي لم تتجاوز الرابعة من عمرها فردت ببراءة أنه في سطح البيت.

سارع أفراد من قوة الأمن للصعود، وبمجرد أن لمحوه وهو يحاول القفز على سطح البناية المجاورة، أطلقوا عليه النار ليصاب إصابة مباشرة في ظهره، وقاموا بالقبض عليه وهو ينزف دون أن يسعوا إلى إسعافه، وظل ينزف حتى فاضت روحه لبارئها.

ونقلت وسائل إعلام عن أحد مواطني القرية، قيام أكثر من 40 سيارة أمن مركزي (قوات لمكافحة الشغب) بمحاصرة القرية؛ خوفًا من محاولة تجمع أهاليها الغاضبين ومنع اتجاههم نحو قسم شرطة الصف، احتجاجا على مقتل هليل.

يحكي أحد أفراد العائلة، حينما ذهبوا لاستلام جثمانه بعد أن بلغوا بوفاته، يقول إن الموقف كان صعبا، وكاد أحد أقربائه أن يسقط مغشيا عليه، لأن الطلقة دخلت من ظهره وخرجت من بطنه، ومزقت رئته وقلبه.

عم الحزن أرجاء قريته، واشترك في ذلك كل من عرفه حتى من خالفه في الرأي، فقد كان آسرا لهم بطيبة قلبه وروحه السمحة.

في ساعات الفاجعة، كانت الوالدة الحاجة عزيزة، في منزلها القريب، وسمعت صوت إطلاق النيران وكان قد وصلها أن الأمن يداهم منزل ابنها، فقامت فزعة ثم اطمأنت قليلا حينما وصلها أن ابنها هرب، لكنها علمت لاحقا أنهم أصابوه.

تستذكر الأم المكلومة كيف أنه بعد أن علم بأنه ملاحق يقول لها، يا أمي، نهايتي استشهاد أو اعتقال، أو أن أتخلى عن مبادئي، هل تحبين لي أن أتخلى عنها، فتجيبه لا يا ابني.

كان آخر ما نشره فتحي هليل عبر حسابه الشخصي بموقع فيسبوك مقولة للشيخ حسن البنا تقول ” ميدانكم الأول أنفسكم، قان انتصرتم عليها كنتم على سواها أقدر، وإن قصرتم في مجاهدتها كنتم عما سواها أعجز”، ثم علق “كيف تريد أن تقود الآخرين وأنت عاجز عن قيادة نفسك”.

وعلى قدر الفاجعة والمصاب، كان حضور جنازة “فتحي هليل” عاكسا للأمر، فالحشود كبيرة، والآلاف من أهالي مركز الصف، جاءوا من كل حدب وصوب، وتحولت الجنازة إلى مسيرة حاشدة وهتافات تنادي بأخذ حق فتحي وضرورة إيقاف “بلطجية الداخلية” عند حدهم.

هذا الحشد لم يرق للبعض، فواجهت الجنازة مناوشات ومضايقات من بعض أنصار الانقلاب العسكري وفلول الحزب الوطني، في محاولة لمنع الهتافات المناوئة للانقلاب والعسكر، لكن لم تفلح في تحقيق هدفها.