مع احتدام المشهد في مصر، وسيولة الأحداث الملتهبة، وامتلاء الشوارع بالمتظاهرين المؤيدين والمعارضين لرئيس مصر حينها محمد مرسي، وقبل أيام من بدء فصول الانقلاب العسكري في الثالث من يوليو/تموز 2013، كان بطل قصتنا على موعد مع الفصل الأخير من حياته.
صلاح الدين حسن (37 عاما)، ابن مدينة بور سعيد، نشأ وترعرع فيها يتيما حيث توفي والده في السابعة من عمره، وحين اشتداد عوده، تزوج وأنجب طلفين، أكبرهما عمر (4 أعوام)، والصغير محمد (3 أعوام)، وقد تركهما بعد أن باغته الأجل ليواجها الحياة مع والدتهما رشا فهمي، التي فجعت بنبإ استشهاد زوجها، بينما يمارس عمله.
“كان ملاكا” هكذا تراه زوجته، فعلى مدار سنوات ارتباطها به والتي استمرت 8 سنوات، لم تر منه إلا كل خير، وهو ما جعلها تراه إنسانا غير عادي وإنما “ملاكا” يمشي على الأرض، ومن ثم كان لابد أن يرحل عن دنيا البشر، وينال الشهادة التي استحقها، على حد قولها.
كان صلاح الدين معروفا بحسن خلقه، وذوقه الرفيع، فلم يتعامل معه أحد إلا وأحبه كما تقول زوجته، فيما يؤكد من يعرفه أنه كان مثالًا في التفاني والنقاء وصفاء النفس والعزة والكرامة.
بينما تقول والدته عايدة عنه إنه عاش حياته محبًا للجميع، مضحيًا لإسعاد من حوله، مضيفة بأنه كان “حنونا طيبا، لا يحب إغضاب أحد” وكان بارا بها يقبل يديها ورأسها دائما، لافتة إلى أنها علمت بنبأ وفاته وهي في زيارة لشقيقته في الإمارات.
تقول الأم المكلومة، إنها لم تحضر جنازته لأنه أغمي عليها حين علمت بخبر استشهاده، وتدهورت حالتها الصحية ودخلت المستشفى، ولم تستطع العودة لمصر إلا بعد وفاته بشهور من أثر نبأ استشهاده عليها.
في يوم الجمعة 28 يونيو/حزيران 2013، خرجت مظاهرة معارضة لمرسي في ميدان الشهداء بمدينة بورسعيد، وخرج صلاح رفقتها ليقوم بعمله الصحفي المعتاد بتغطية التظاهرة، حيث كان يعمل حينها مراسلا لصحيفة “شعب مصر” وهي إحدى صحف المحافظة المحلية.
وبينما هو يراقب الجموع، ويدون هتافاتهم وملاحظاته، ويرسم المشهد في ذهنه لينقله عبر صفحات جريدته، إذ به يفاجأ بعبوة ناسفة تسقط أمامه، وكان من الواضح أنها ألقيت لاستهداف المتظاهرين، بقصد إصابة أكبر عدد منهم، ما يزيد من تأزم الأمر عما هو عليه.
وحسب رواية بعض شهود العيان، والتي نقلتها زوجته، سارع صلاح دون كثير تفكير، واحتضن العبوة ليحمي المتظاهرين منها، إلا أن العبوة لم تمهله وانفجرت في وجهه، لينفصل رأسه عن جسده وتتشوه ملامحه، وتفيض روحه إلى بارئها.
حمل جثمانه سريعا إلى مستشفى الأميري بالمدينة، وفي الساعات الأولى من صباح يوم السبت التالي، خرج مدير المستشفى ليعلن أن الصحفي صلاح الدين حسن صلاح الدين، قُتل إثر انفجار عبوة ناسفة في ميدان الشهداء المسلة.
كانت فاجعة الزوجة في زوجها كبيرة، فلم تكن تتوقع أن يموت زوجها بهذه “الطريقة البشعة” كما وصفت، ولم يقبل أصدقاؤه ومن شاهدوا أشلاءه أن يدعوها تدخل على جثمانه، فقد كانوا على يقين بأنها لن تتحمل المشهد.
وبسبب ما حل بجسده، فقد بذل المغسل جهودا شاقا في تغسيله، قبل أن يتم تشييع جثمانه في مسيرة حاشدة من أمام مسجد مريح، بحي المناخ في مدينة بورسعيد، إلى مثواه الأخير.
وبينما استغلت أغلب وسائل الإعلام حينها والتي كانت داعمة للانقلاب العسكري، الحدث، وزعمت أن زوجة الصحفي صلاح الدين حملت الرئيس الراحل محمد مرسي، مسؤولية قتله، نفت هي ذلك عبر صحيفة “شعب مصر” التي كان يعمل زوجها لصالحها.
وقالت الزوجة المكلومة، إنها لن تظلم غيرها بتحميله المسؤولية لأنها مظلومة، مؤكدة على أن دم زوجها في رقبة من قتله، ولن تسامحه، وسيتحمل ذنب تيتيم أطفاله الصغار.
كان لاستشهاد صلاح وقع شديد على الصحفيين وجماعتهم، ومن ثم توالت ردود الفعل الغاضبة، على المستوى المحلي والدولي، ومن ذلك إعلان نقيب الصحفيين حينها، ضياء رشوان، منح مجلس نقابة الصحفيين في جلسته بتاريخ 7 سبتمبر 2013 الصحفي صلاح الدين حسن، العضوية الشرفية بالنقابة، كما نعته نقابة الصحفيين الإلكترونيين.
وعلى المستوى الدولي، أدان الاتحاد الدولي للصحفيين، مقتله، وقال رئيسه جيم بوملحة: “ننعي وفاة زميلنا الذي قتل أثناء تأديته لواجبه المهني.. يجب على السلطات أن تحضر المسؤولين عن هذا الاغتيال الوحشي أمام العدالة لدفع ثمن جريمتهم”.
ورغم عدم حصول صلاح الدين حسن، على عضوية نقابة الصحفيين، إلا أنه كان صحفيا مخضرما، حيث عمل مراسلًا لجريدة العالم العربي، وجريدة الطبعة الأولى، والمصري الأسبوعي، والحوادث المصرية، كما شغل منصب نائب رئيس مجلس إدارة جريدة الصرخة، التي تصدر عن حزب مصر الفتاة.
كانت جنازة صلاح الدين حاشدة مهيبة، خرج فيها الآلاف من أهل بور سعيد، مرددين هتافات غاضبة، وظل في خاطر أسرته الخاصة والصحفية، حيث يحيون ذكراه كل عام، فيما لا تزال أسرته تطالب بحقه، وتستنكر التخلي عن وعود أعلنت بالتزامن مع استشهاده ولم يتم استيفاءها.
وكمثلها من الجرائم التي وقعت في تلك المرحلة، لا يزال المسؤول عن مقتل صلاح الدين مجهولا، رغم الاتهامات التي كيلت دون دليل، لمؤيدي الرئيس الراحل محمد مرسي، ولعل ذلك مقصودا كما يرى مراقبون، حيث يرون الهدف من تلك الجرائم هو ضمان إثارة الشارع وغليانه بالشكل الذي ساعد على تمرير الانقلاب العسكري.