أحمد محروس.. أشهر ضحايا مذبحة المنصة

صاحب أشهر صور ضحايا مذبحة المنصة، التي راح ضحيتها 72 قتيلا من معتصمي رابعة العدوية، والتي كانت من أكثر المذابح دموية بعد ثورة يناير 2011، وحتى وقوعها في 26 يوليو/تموز 2013.

أحمد محروس أبو الحجاج، (23 عامًا) ولد في الأول من يناير/كانون الثاني 1990، بمدينة القصير التابعة لمحافظة البحر الأحمر، في جنوب شرقي مصر.

تخرج أحمد من كلية الحقوق، في عام الثورة 2011، وتدرب في العديد من مكاتب المحاماة، وكان عضوا بنقابة المحامين، كما كان عازما على فتح مكتبه الخاص بمدينة الغردقة، واستأجر لأجل ذلك مكانا عمل على تجهيزه، إلا أن الأجل كان أسبق له بالشهادة.

في السادس والعشرين من يوليو/تموز 2013، وبينما كان مشاركا مع الآلاف في اعتصام رابعة العدوية، وقعت أحداث مجزرة المنصة، وسقط أحمد ضمن عشرات العزل من المعتصمين غارقا في دمائه بعد أن صابته رصاصة غادرة من قوات جيش وشرطة الانقلاب العسكري.

شارك أحمد في الفعاليات الرافضة للانقلاب في محافظته ثم بدأ يذهب إلى ميدان رابعة، ويمكث فيه فترة ثم يعود، وفي المرة الثالثة، حاول والده إثناءه عن الذهاب لحاجته إليه في بعض المصالح، على أن يذهبا سويا في وقت لاحق، فقال سأذهب يوما وأعود، وعاد فعلا لكن شهيدا في سبيل وطنه.

كان أحمد يتعهد الاعتصام وينضم للمشاركين فيه مرة بعد الأخرى، ثم يعود لبلدته الهادئة البعيدة عن صخب القاهرة، إلا أنه لا يكاد يرجع من الاعتصام حتى يحن إليه وإلى أهله مرة أخرى ويعاود الكرة، وفي المرة الثالثة، كان القدر ينتظره، حيث نال الشهادة وكان صاحب أشهر صور شهداء المذبحة.

رافقه في مرته الثالثة، صديقه الكفيف، إمام المسجد، الشيخ عماد، وحين بدأ الاعتداء على المعتصمين أمام المنصة، حرص على أن يوصل رفيقه إلى مكان آمن جوار جامع رابعة العدوية، وعاد ليساعد المصابين.

ورغم محاولة الشيخ الكفيف إثناءه، إلا أنه أصر على العودة إلى مكان الأحداث، فلقي الله شهيدًا برصاص حي في رأسه.

يقول الشيخ عماد بعد أن صلى عليه: “لم أجد أحن وأقرب لي من أحمد في الدنيا وكانت أمنيته أن يموت شهيدا.. وقبل أيام اعتصام رابعة، قلت له جاءت عندك الشهادة يا أحمد، فكان يقول لي، إن شاء الله مع بعض أنا وأنت مع بعض”.

ويتابع الشيخ، “قبل الضرب في رابعة قال أنا عايز أموت شهيد مراراً، وأتمنى ألا أموت على يد مصري، فقلت له، لا يمكن يكون مصري اللي حيضربك يا أحمد، وعند الضرب أخذني لمكان بعيد عن الضرب، فأقسمت عليه أن يظل معي خوفاً عليه فرفض حتى يساعد الجرحى واستشهد أحمد”.

وفي ذكرى استشهاده الأولى، نقلت بوابة الحرية والعدالة عن صديقه علي حسن، أنه وبينما كان أحد المعتصمين يوزع عطرا في خيمة محافظة البحر الأحمر، رفض أحمد التعطر به، وقال أشم رائحة أفضل بكثير، فتعجب صاحب العطر، وقال له “يعني فيه أحسن من الريحة دي!”، فرد أحمد، “أي والله.. أشم رائحة أحلي بكثير”.

تحكي والدته عن أخلاقه وطبعه، فتقول إنه كان صواما قواما واصلا للأرحام، بارا بوالديه، يحفظ كتاب الله منذ الصغر، حيث بدأ الحفظ وهو في الثالثة من عمره، ولم تكتمل لديه بعد مخارج الحروف.

ورغم تأكيدها على أن الانتماء لجماعة الإخوان المسلمين ليس مسبة أو فيه ما يعيب، فإنها في ذات الوقت تؤكد أن نجلها أحمد لم يكن منتميا للإخوان، حيث لم يتسن له التعرف عليهم إلا في مرحلة ما بعد الثورة، وخلال مشاركته في اعتصام رابعة العدوية.

لكنها تعاود التأكيد على أن من شاركهم أحمد اعتصام رابعة، سواء من الإخوان أو من غيرهم، كان يعتبرهم صفوة المجتمع وخيرة الناس، وكان يحكي دائما عن محافظتهم على النظام والدقة والأمانة، ومن ثم فهي تشدد على عدم تصديق ما كان يتهم به المعتصمون من أنهم كانوا يقتلون بعضهم.

تستذكر والدته، آخر حديث بينهما، حين هاتفها وهو في طريقه لميدان رابعة في مرته الأخيرة، وكان قد خرج عقب إفطار خفيف وهو مريض، فكنت مشفقة عليه، لكنه طمأنها وقال إنه برفقه صحب من الصالحين، فدعت الله ألا يضيعه، واستجاب الله دعوتي وكتب له الشهادة.

كان أحمد محبوبا بين أصحابه، وكانت والدته تمازحه حين ترى محبته لدى أصدقائه وتقول له، “لو نزلت في أي انتخابات ستكتسحها”.

فيما يصفه والده، بأنه نشأ محبا لدينه ووطنه، وكانت أمنيته التي يعبر عنها دائما، أن يكون شهيدا في سبيل الحق، كما كان محبا للسنة والفقراء، ويمشي في عمل الخير دائما، وكان عضوا في عدد من الجمعيات الخيرية، من جمعية الرسالة، وجمعية أتباع الحبيب، كما أسس جمعية باسم شباب الخريجين.

وفي هذا السياق، يذكر الوالد المكلوم، كيف أن أحمد كان يمكن أن يسافر إلى أي بلد آخر، حتى لو بعيدا، لخدمة الآخرين، ويعود سعيدا، شاكرا ربه أن من عليه بعمل الخير، ووفقه لخدمة غيره.

يتذكر الوالد كذلك ساعاته الأخيرة، حين تواصل معه عند الساعة الواحدة، في الليلة التي شهدت المذبحة، وطمأنه، وقال له إنه سيأتي في الغد، وعند الفجر، حين علموا بوقوع الأحداث، خرج يتلمس أخباره عند الساعة الثامنة صباحا، فجاءه عدد من أصحابه وقالوا له أتيناك نزف إليك خبر استشهاد أحمد، فحمد الله واسترجع.

وحسب الوالد، فإن أحمد قتل برصاصة في مقدمة الرأس، وتم إثبات ذلك في تقرير الوفاة.

ذهب أصحابه إلى القاهرة بعد معرفة خبر استشهاده، ووجدوا أن إحدى جمعيات أنصار السنة قد قاموا بالغسل والكفن، وعادوا بجثمانه، ليجدوا المدينة قد خرجت عن بكرة أبيها كما قدم المئات من مدن المحافظة الأخرى، لاستقباله ووداعه في مشهد مهيب، حيث صلوا عليه مسجد السنوسي ودفنوه في مقابر المدينة الواقعة بمنطقة جبلة مرتفعة.

كان وقع استشهاد أحمد على أهل بلدته شديدا، فإضافة إلى خروج المئات في جنازته، خرجت مسيرات للتمديد بمقتله، والمطالبة بمحاكمة قتلته، وردد المشاركون فيها هتافات تطالب برحيل السيسي وعسكره، فيما قام غواصون بحمل صورته تحت الماء في شكل غير معهود، تعبيرا عن رفضهم لمقتله.