صهيب عبد الكريم.. فقيد أمه في عيدها

لم تكد تمر ساعات على دخوله عليها مهنئا لها بعيد الأم، ومعاتبا إياها تأخرها في شراء هديته التي آثر أن تختارها بنفسها، حتى جاءتها فاجعة تصفيته على يد قوات الأمن، واتهامهم له واثنين آخرين بتفجير أنفسهم.

صهيب عبد الكريم (19 سنة) من مركز الإبراهيمية التابع لمحافظة الشرقية، كان طالبا في الفرقة الأولى بكلية الحقوق جامعة الزقازيق، حين استشهاده، عام 2015.

يوم السبت الموافق 21 من مارس/آذار 2015، شارك صهيب رفقة المئات من أهل بلدته في إحدى الفعاليات المسائية التي كانت معتادة في ذلك الحين، ضد الانقلاب العسكري، ومع انتهائها كالمعتاد كذلك بقيام قوات أمن باستهداف المشاركين فيها، عاد الجميع إلى منازلهم، لكن صهيبا واثنين آخرين من شباب البلدة، لم يعودوا.

وبينما يتلمس أهل صهيب أخباره ويتسرب القلق إليهم بعد أن علموا من آخرين قيام قوات الأمن باختطافهم، وصلهم خبر صادم بمقتله على يدهم، وقبل أن يفيقوا من صدمتهم تبث وسائل الإعلام المحلية بيان لوزارة الداخلية، يزعم أنه قضى نحبه رفقة آخر في انفجار قنبلة كانوا يزرعونها بجوار أحد المباني الحكومية، فيما أصيب ثالث كان معهم.

وحينها، حمل ائتلاف دعم الشرعية، السلطات المصرية المسؤولية الكاملة عن قتل طالبين جامعيين، هما صهيب عبد الكريم وجهاد أحمد (24 سنة) بعد القبض عليهما عقب انتهاء فاعلية رافضة للانقلاب العسكري، قبل أن يفاجأ الأهالي بإعلان وفاة الطالبين أثناء زرع قنبلة في الإبراهيمية في الشرقية.

وعقب الحادثة بيومين، تم الإعلان وفاة رفيقهم الثالث، محمد حمد الله، متأثرا بجراحه في التفجير، والذي كانت هناك حراسة مشددة عليه أثناء احتجازه في أحد المستشفيات منذ إصابته في الحادث وحتى وفاته، خوفا من أن يفيق من غيبوبته ويدلي بحقيقة ما تعرض له وصاحبيه.

يقول والد صهيب، إن قوات الأمن، كانت قد اعتقلت الشباب الثلاثة عقب مسيرة مناهضة لحكم العسكر، انطلقت عقب صلاة العشاء، وعلمت الأسرة بخبر اعتقال ابنها، وبعد ذلك فوجئوا بخبر وفاته، وأكد والد صهيب أنه تلقى تهديدات من قبل “الداخلية” بتصفية ابنه قبل تلك الواقعة بفترة.

بينما تحكي والدة الشهيد عن ملابسات مقتل ابنها، فتنقل عن الجيران سماعهم صوت إطلاق رصاص، أعقبه صوت انفجار قنبلة، مؤكدة أنها حينما عاينت جثمان ابنها في المشركة، وجدت رصاصتين في صدره ورصاصة في جنبه، كما عاين عمه في تغسيله رصاصة في رأسه.

وتتابع الأم المكلومة، “أدعو الله أن ينتقم من كل من خطط ودبر وشارك في تصفية ابني”، لافتة إلى أنه وقبل الحادثة بـ 3 أيام، وصلتهم رسالة من الشرطة بأن صهيب و5 من أصدقائه على قائمة التصفية، كما نقل أحد معارف والده من داخل قسم الشرطة، تحذيرات له من استهداف الداخلية لصهيب، وقيامهم بمراقبته.

وفي الذكرى الأولى لرحيله، تستذكر والدته كيف أنه قبل استشهاده بيومين، والذي وافق عيد الأم، كيف عبر عن حبه إياها، وقدم لها مالا لتشتري لنفسها هديته إليها بتلك المناسبة التي اعتاد أن يحتفي بها كل عام، وحثها أن تشتري ما تحب بنفسها خوفا من أن يشتري لها ما لا يتوافق مع ما تحب.

وفي يوم عيد الأم، وعند الظهيرة، أكد عليها الأمر، وأخبرها بأنه سيحزن إن لم تشتر الهدية، وحينها شعرت بالسرور والغبطة، وأمسكت هاتفها وكتبت رسالة إلى كل صديقاتها، تحثهم فيها على ضرورة مواساة أم كل شهيد أو معتقل في هذا اليوم للتخفيف عنهن، وهي لا تعلم أن اليوم لن يمر حتى تصبح في عدادهن.

عرف صهيب بخلقه الراقي، وسمته الحسن، ومواظبته على النوافل، وصفاء قلبه الخالي من أي ضغينة أو حسد، فمهما وقع له مما قد يجلب الغضب وتغير المشاعر، لم يكن ليتجاوز أثر ذلك مع صهيب الكثير من الوقت، فصفاء قلبه هو الأصل الذي يعزز قيمته لدى الآخرين.

كان واثقا في نفسه، معتزا بها دون تكبر، بل كان ملحوظ التواضع للآخرين، ومع ذلك كان حرا لا يقبل الإهانة من أحد، كما كان معروفا بابتسامته التي يقدمها للصغير قبل الكبير، وللغريب قبل القريب.

يحكي أحد أصدقائه عن إحدى هواياته فيقول، كان صهيب من عشاق كرة القدم، بل كان من المحترفين في اللعبة، والتحق بأندية الأهلي، والترسانة، وحرس الحدود، وكان على وشك الالتحاق بفريق الناشئين في أحدها، لكن عندما قامت الثورة ولواحقها، انشغل بها وبفعالياتها المختلفة.

زاد همه بالشأن العام، عقب الانقلاب العسكري، وتخلى بشكل كامل عن طموحه الشخصي في الاحتراف بلعبة كرة القدم، وشارك في اعتصام رابعة العدوية، وظل فيه أكثر من شهر حتى تم الفض، ثم نشط في فعاليات الحراك الرافضة للانقلاب، وكان استشهاد خاله جمال عبد الله في الفض محفزا له للاستمرار والمواظبة.

أصيب في أحد أحدث اعتداءات الأمن على المتظاهرين في منطقة المطرية بالقاهرة، وكانت الإصابة بأكثر من 20 خرزة خرطوش، بعضها في الرقبة، والتي كادت أن تودي بحياته، إلا أن الله كان قد سبق في علمه أن له في العمر بقية.

ترك نبأ وفاته أثرا شديدا على أسرته ومحبيه، فهو الأخ الحنون لأخواته، والصديق المقرب لمن عرفه، والابن البار بوالديه، فضلا عن دأبه في خدمة الآخرين وتلمس حاجاتهم.

وبخلاف ما ادعت وسائل إعلام مؤيدة للانقلاب العسكري، خرج المئات من أهالي قريته في جنازته التي حاولت قوات الأمن الحيلولة دون قيامها، ونعاه والده بكلمات مؤثرة قبل ال صلاة عليه، حيث أكد أنه بات يشرف بالانتساب إلى ابنه، بخلاف ما يمكن أن يكون عليه الحال من فخر الابن بالانتساب إلى أبيه.

الوالد الصبور لحق ابنه البار بعد نحو 7 سنوات، ففي 12 يناير/كانون ثان 2022، توفي عبد الكريم هنداوي، ونعاه محبوه ودعوا الله أن يجمعه بولده في مستقر رحمته على سرر متقابلين.