Event: توابع مجزرة فض ميدان رابعة العدوية
المهنة: طالب جامعي
السن: 18

إسلام أسامة.. فقيد حرم جامعة الأزهر

قديما قالوا: “من مأمنه يُؤتى الحذِر”، إلا أن إسلام ورفقاءه كانوا يعلمون أن الأمان بات مفقودا في “حرم” جامعتهم المنتهك بأمر العسكر، ومع ذلك، لم يحل الحذر ولا غيره بينهم وبين أن يلهبوا ساحات جامعة الأزهر، دفاعا عن حقوقهم ومكتسباتهم، حتى طال الرصاص بعضهم، ومنهم بطل قصتنا.

إسلام أسامة أحمد درويش (18 عاما)، مواليد 14 نوفمبر 1995، بقرية الكوم الأحمر التابعة لمركز أوسيم في محافظة الجيزة، وكان طالبا في الفرقة الأولى بكلية التجارة في جامعة الأزهر، حال استشهاده، وله شقيقان، أحدهما أكبر منه والآخر أصغر.

في 28 ديسمبر من عام 2013، كان إسلام على موعد مع الشهادة التي لطالما تمناها كما أكد والده، وذلك في حرم جامعته وأمام كليته، التي وهو بعد لم يتخط عتبة عامه الجامعي الأول، فقوات الأمن لا تفرق -كما جرت العادة- بين صغير وكبير، أو ذكر وأنثى، حيث يطال رصاصها الجميع.

عرف بالعديد من الصفات الحسنة، وشهد له بها أهله وجيرانه وأقرانه وزملاء دراسته، فقد كان ودودا واجتماعيا مرحا طيب القلب، بارا بوالديه، متفانيا في خدمتهما، متميزا بين زملائه.

كان معروفا بين الناس بضحكته وخفة دمه ورحه العالية، يحب المزاح والتودد إلى الآخرين من غير تكلف، وكان يترك علامة في قلوب من يلقاهم ويتعامل معهم، وتجاوز الأثر من عرفوه لغيرهم، حيث أورث حزن أقرانه عليه، حزنا لدى من لم يعرفه لحرمانهم من التعرف عليه.

كانت أسمى أمانيه الشهادة، إلا أنه كان طموحا لدنياه أيضا، فقد كان يتمنى أن يكون لاعبا محترفا ذا شهرة ومكانة، وكان يتدرب في نادي الكهرباء، وقد قاب قوسين أو أدنى من أن يتم التعاقد معه من قبل فريقه، إلا أن الشهادة كانت أقرب.

في إحدى صولات وجولات طلبة الأزهر، وفعالياتهم السلمية الرافضة للانقلاب العسكري، اقتحمت قوات الأمن حرم الجامعة الذي لم يعد حرما، وأطلقت قنابل الغاز ورصاص الخرطوش، وكان نصيب إسلام رصاصة من مسافة قريبة، استقرت في قلبه وكتفه، لتفيض روحه إلى بارئها.

عن علاقته بربه، يعتبر والده خاتمة ابنه أمارة واضحة على خصوصية تلك العلاقة، ويكشف في هذا السياق عن أنه كتب على “كشكول” محاضراته كشعار له “ربما آمنا بما أنزلت واتبعنا الرسول فاكتبنا مع الشاهدين” 3 مرات، فأناله الله إياها وبلغه مناه.

أما علاقته به، فيقسم الأب المكلوم على أنه لا يذكر له مرة عصاه فيها، ومن ثم يُشهد ربه برضاه عنه، فيما تعكس علاقته بمن حوله، حجم الحزن الذي سيطر على الجميع، وعدد من شاركوا في جنازته وعزائه، ومنهم جميع أفراد مجلس إدارة النادي الذي كان ينتمي إليه.

سار إسلام إلى قدره المكتوب، فرغم انقطاعه قرابة شهر عن الذهاب للجامعة، استجابة لأمر والده الذي كان يمنعه خوفا عليه مما اعتداءات قوات الأمن على طلابها، طلب من والدته السماح له بالذهاب وعدم إخبار والده، ليمنح الشهادة ذلك اليوم.

يحكي والده عن لحظة تلقيه الخبر، فيقول، “كنت في مكان عملي عندما أخبرني أحد أصدقائه في الجامعة بأن إسلام مصاب بخرطوش، وأقسم بالله ما خطر ببالي وجرى على لساني سوى اللهم إني لا أسألك رد القضاء، ولكن أسألك اللطف فيه، وعندما تيقنت من استشهاده ما قلت غير الحمد لله إنا لله وإنا إليه راجعون وحسبنا الله ونعم الوكيل”.

تصف عمته التي دخلت على جثمانه في المستشفى عقب استشهاده، كيف أن وجهه كان مبتسما مضيئا في صورة لم تعهدها حتى في الدنيا رغم سمته البشوش والمرح، وهي هيئة حسب وصفها أفضل بكثير، ما زادها اطمئنانا ورضا.

شارك إسلام في ثورة يناير منذ أيامها الأولى، ورغم خوف والده عليه وعلى شقيقه أحمد، حيث كان يمنعهما من المشاركة، فإنه كان في نهاية المطاف يرضخ لضغوطهما ويسمح لهما بالمشاركة لكن شرط أن يصحبهما في نزولهما إلى الميدان.

كان إسلام من المعارضين لحكم الرئيس محمد مرسي، ومتحفظا على أداء جماعة الإخوان المسلمين في الثورة والحكم من بعده، إلى أن حدثت مجزرة رابعة العدوية، ومن حينها تحول موقفه من منطلق الإنسانية، حيث كان يرى أنه لا مجال للخلاف بعد سفك الدماء البريئة.

كان من آخر ما كتبه على حسابه الشخصي بموقع فيسبوك: “أنا رايح الجامعة.. وزي ما الداخلية قالت اللي جاي الجامعة يكتب وصيتوا قبل ما ينزل عشان مش هيرجع.. أنا بقولكم سامحوني لو حد زعلان مني وادعولي”.

وفي جنازة ليلية مهيبة، خرج الآلاف رجالا ونساء يشيعون جثمان إسلام، وهم في حالة غضب عارمة ظهرت بشكل جلي في هتافاتهم التي رددوها خلال الجنازة التي تحولت إلى مسيرة رافضة للانقلاب العسكري، ومن تلك الهتافات، “لا إله إلا الله والشهيد حبيب الله”، “يسقط يسقط حكم العسكر”، “إسلام أسامة يا ولد دمك بيحرر بلد”.

الأثر الذي تركه إسلام، كان بليغا وفاعلا في أقرانه وأصدقائه، فضلا عن أهالي بلدته، وامتد ذلك الأثر لسنوات لاحقة، حيث نظمت المسيرات والوقفات أمام منزله في ذكرى وفاته لأكثر من عام، ليعبر محبوه عن وفائهم لدمه، وتأكيدهم على المضي قدما في العمل على استجلاب حقه وعدم التنازل عنه.

كما عبر آخرون عن اعتزازهم بإسلام من خلال إعداد مقاطع فيديو تخلد ذكراه وتوثق حضوره في حياتهم وتؤكد عدم نسيانهم له، كم نظم آخرون مقطوعات شعرية مؤثرة، عن إسلام واستشهاده، وتعبر عن شدة فقدهم له، ومضيهم في السبيل الذي ارتضاه وتوافقهم على الهدف الذي مات لأجله.

Other توابع مجزرة فض ميدان رابعة العدوية victims