ربما رأى البعض أنه كان من الأولى استمرار اهتمامه بشأنه الخاص، ومعاودة السعي للحصول على فرصة عمل جديدة بالخارج، آمنا على نفسه وأهله، إلا أنه كان له رأي آخر، حيث أدى إهتمامته بوطنه ومستقبله إلى أن تكتب نهاية حياته برصاصتين ممن يفترض بهم حفظ أمان الوطن وأهله.
خيري الشوادفي (41 عام) أحد أبناء محافظة الشرقيه، تخرج من كلية العلوم بجامعة الزقازيق، ليسافر بعدها للعمل بإحدى الدول العربية، محققا بذلك ما يحلم به الكثير من شباب وطنه، واستمر فيها 10 سنوات قبل أن يعود إلى الوطن، ويؤثر البقاء فيه والمشاركة في فعاليات ثورة يناير وما لحقها.
في يوم 14 أغسطس/ آب 2014، شارك خيري في فعالية بمنطقة المهندسين في الجيزة، إحياء للذكرى الأولى لفض اعتصامي رابعة العدوية والنهضة، وأصيب برصاصتين أطلقتهم قوات الأمن، تُرك بعدهما ينزف لمدة طويلة، قبل أن تفيض روحه إلى بارئها.
ولد الشوادفي بقرية كفر موسى عمران، التابعة لمدينة الزقازيق بمحافظة الشرقية، وتزوج وأنجب 4 من الأبناء، كانت الكبرى في العاشرة من عمرها حين استشهاده في فض رابعة العدوية، حيث حرمت رصاصتي غدر بناته من عطفه وحنانه الأبوي الذي تغنين به حينا وشهد له به الجميع.
كان خيري من المحبين لدينه ووطنه حسب شهادة أهله وذويه، وفي ذلك يحكي صديقه عصام القرناوي الذي لازمه شطرا من حياته، كيف أن خيري كان سندا له في تلك المرحلة، يتعهده بالزيارة بين الحين والآخر، حتى في عمله، وكلما أتت الفرصة، ذكره بآية أو ذكر، فيعينه ذلك على المداومة عليه.
شهد له أصحابه وأهله وجيرانه بدماثة وحسن الخلق، وكان معروفا بحبه للغة العربية وحرصه على الحديث بها في كلامه دائما، بينما كانت الابتسامة لا تفارق محياه، ويجد من خلالها الطريق سهلة إلى قلوب من يعاملهم في مختلف مناحي الحياة.
وبينما أفقد رصاص قوات الجيش والشرطة خيري الشوادفي حياته في ذكرى يوم الفض، ظلت سيرته العطرة حاضرة على كل لسان في أوساط أهله وجيرانه، واستمر أحبابه في ذكر مآثره والثناء على جميل خلقه وسابق خدمته للآخرين ومشاركته في عمل الخير.
تستذكر زوجته أميمة الشحات، كيف أنه في المنزل كان مصدر الحنان لها ولأولادهما وتؤكد في حديث لها عقب استشهاده، أنها ظلت لفترة غير مستوعبة فقده، وأنها باتت بعده الأب والأم لعمر ذا الأربع سنوات وآلاء وهنا والكبرى تسنيم، لكنها عادت لتؤكد استعانتها بالله للتجاوز هذه المحنة.
أما والده، ففقده لفلذة كبده أشعره بأنه قد فقد الدنيا بأكملها، ويذكر الوالد كيف أنه حين سمع بنبأ استشهاده، ردد جملة “عوضي عليك يا رب.. عوضي عليك يارب”
كانت والدته شديدة الارتباط به، ومن ثم فمن الطبيعي أن يتسبب فقده لوعة شديدة في صدرها، فيما تعتبر ابنته الكبرى تسنيم أنه كان صاحبا لها كما كان والدها، وكان متعهدا إياها في تحفيظ القرآن، ويشرح لها ما يصعب عليها من مواد، خاصة مادة الرياضيات.
مثاليته لم تنحصر في معاملة الوالدين والزوجة والأبناء، فخيره وإحسانه امتد لأشقائه، حيث تقول أخته رضا، إنه كان مثالا للأخ الحنون، وكان يتمثل كتابه الله وسنة نبيه في سعيه وحياته، وكان دائما ما يسألها “كيف حالك يا رضا مع ربنا”، ويحثها على معالي الأمور، ويبث التفاؤل والثقة في نصر الله فيها.
وإلى جانب بره بأهله، كان خيري جارا مثاليا، حسن العشرة، معروفا بطيب الحديث وصدق الصحبة، ومن شيمه التفاؤل وسعة الصدر، والابتسامة العذبة الصادقة، كما كان شجاعا جريئا في الحق لا يخشى في سبيل ذلك لومة لائم، إلا أنه لا يحمل ضغينة لأحد، يستوي في ذلك الموافق في الفكر أو المخالف فيه.
يذكره أصدقاءه بعلو همته وسمو أهدافه، ويحكي عن ذلك صديقه علاء نجيب، الذي كان يرى فيه نموذجا للمثالية على الأرض، ويشهد له بأنه كان يعمل بما يدعو إليه من مكارم الأخلاق.
تحكي أخته عن نبأ استشهاده الذي وصلها من اثنين من جيرانه، وعندما رأتهما مقبلين وفي أعينهما ما يشي بأن هناك نبأ عن شقيقها، ظنت في البداية أنهما سيخبرانها باعتقاله، لكن قالا لها بعيون دامعة، احتسبي أخاكي خيري شهيدا.
شارك خيري في فعالية لإحياء ذكرى الفض في ميدان المهندسين، والتي تم استهدافها من قوات جيش وشرطة وأطلق على المشاركين فيها النيران، ليصاب عدد منهم كان خيري أحدهم، حيث أصيب برصاصتين في الظهر، خرجتا إحداهما من بطنه، وظل ينزف لفترة طويلة، بعد أن رفضت مستشفيات عدة استقباله.
وبعد ساعات من النزيف، فاضت روحه إلى بارئها تشكوا ظلم الظالمين، الذي طال أهله وذويه بعد استشهاده، حيث أخرجتهم قوات الشرطة من المستشفى التي استقبلت جثمانه في النهاية، واقتادوا أسرته إلى قسم الشرطة للتحقيق معهم والضغط عليهم، لإصرارهم على اتهام الشرطة بقتل خيري.
نقل الجثمان فجر الجمعة إلى الزقازيق، وأقيمت جنازة حاشدة له بعد الصلاة عليه عقب صلاة الجمعة، وشيعه أهالي قريته ومحبيه من مسجد موسى عثمان، مرددين هتافات تطالب بالقصاص من قاتليه، وتدعوا له بالقبول والرحمة.