عبد الرحمن مصدق (17 عاما)، من مدينة الإسكندرية (شمال)، كان طالبا في الثانوية العامة، و انقضت حياته القصيرة إرصابة أصابته في الرقبة أطلقتها قوات الأمن، خلال فض مظاهرة رافضة للانقلاب العسكري، بمنطقة السيوف في المدينة، يوم الجمعة الموافق 28 فبراير/شباط 2014.
كان عبد الرحمن في أواخر أيامه ورغم صغر سنه، كان مشغولا بما يحدث في مصر، وانتبه أهله لعزوفه عما اعتاد أقرانه الاهتمام به من انشغال بالتسلية والخروج والفسح.
تحكي شقيقته، كيف أنه في السابق كان محبا بشكل مفرط للصيد واللعب بالبلاي ستيشن، إلا أنه زهد في شهوره الأخيرة فيهما، وبدأ يعنى أكثر بأحوال وطنه ومستقبله.
كان عبد الرحمن يؤدي فروضه من صيام وصلاة، لكنه أيضاً كان يقضي وقته مع أصدقائه وعندما كانت والدته تبدي قلقا على وقته لكثرة خروجه مع أصدقائه يقول لها “اطمئني يا أمي فأنا لا أقوم بأي أمر حرام”.
كان أحرص أشقائه على بر والديه، وكان حريصا على رضا أمه والاستجابة لجميع ما تطلبه، وفي اليوم الذي سبق واقعة استشهاده، أخرج لوالدته جميع سجاجيد البيت فوق سطحه، لإعانة والدته في تنظيفها.
لم يقتصر بره بوالديه عليهما، بل امتد الأمر لأجداده، حيث كان يسافر إلى جدته في بلدتها بهدف قضاء طلباتها، وإصلاح ما يحتاج في المنزل، وكان يتسوق لها ويقص لها الحشائش من مزرعتها.
ومما انشغل به على صغر سنه، العمل الخيري ومساعدة المحتاجين، وكان له نشاط لافت في ذلك، ومنه ذهابه مع غيره لقرية أصيب عدد من أهلها بأحد الأمراض المزمنة المعدية، ليجلب لهم الطعام ويوزع عليهم تبرعات، وإذا علم بأن أحد قام بذلك دون اصطحابه يحزن بشدة.
كان زاهدا في متع الدنيا رغم إقباله على الحياة وحبه لها، ولم يكن كثير الطلب كأقرانه، حتى أو والدته تستنكر عليه حال اتصالها وطلبها منه شراء أغراض للمنزل اعتذاره بعدم وجود مال معه، فتقول له “إنت راجل.. إزاي تبقى خارج من غير فلوس” فيجيبها “أعمل بيها إيه؟”.
في عامه الأخير، أصر عبد الرحمن على النزول للعمل خلال الصيف، رغم استغنائه الملحوظ عن المال، إلا أنه كان يبرر ذلك بحرصه على الاعتماد على نفسه، وعلمت أسرته عقب استشهاده أن له حصالة يدخر فيها ماله، وحين سألته خالته عن سبب ادخاره للمال قال لها: “بحوش عشان أحج أو أعمل عمرة”.
كان عبد الرحمن مصدرا للبهجة والبسمة للجميع، وقبل استشهاده بأسابيع، حثته والدته على كثرة القراءة والاطلاع، فعمل بنصيحتها.. تقول شقيقته، يوم استشهاده رفعت من جوار سريره كتابي “منهاج المسلم”، و”منهاج القاصدين”.
كانت والدته كثيرة السؤال له عن التزامه بأداء الصلاة وقبل يوم رحيله لربه بأسبوعين رد عليها حين سألته ذات السؤال، “لا تساليني هذا السؤال مرة أخرى، فأنا لا أفوت صلاة في المسجد.”
في الليلة التي سبقت استشهاده، كان والده مريضا، فظل إلى جواره طوال الليل يعمل على راحته وتلبية احتياجاته، وكان بين الفينة والأخرى يسأله، “هل أنت راض عني يا والدي.. هل في حاجة مزعلاك مني”.
كان عبد الرحمن حريصا على المشاركة في الفعاليات الرافضة للانقلاب العسكري، لكن والده كان يرى أن هذه المظاهرات لم يعد لها أثر، فكان يرفض في العادة نزوله ومشاركته فيها، إلا أن عبد الرحمن كان يقول له حتى متى سنظل نخاف يا والدي، ويصر على النزول والمشاركة.
يوم استشهاده، كان قد هذب شعره واغتسل، وعلى غير العادة، كان والده موافقا على نزوله ذلك اليوم رغم خوفه الشديد عليه، وكان قد نزل للمشاركة في المظاهرات مع شقيقته وشقيقه الأصغر.
تقول شقيقته روضة “رأيته خلال المسيرة 3 مرات، وحين أراد شقينا الأصغر أسامة مرافقته لرفضه السير مع النساء، قال له خليك مع أختك.. كان يريد الذهاب للجنة وحدة، وحين بدأ ضرب النار رجع لخلف المسيرة للمشاركة في حماية النساء”.
تنقل شقيقته عن أحد شهود واقعة الاستشهاد، أنه حين أصيب في البداية، ظل يجري وهو ينزف، ويقول لمن حوله: “اثبتوا بقيت خطوة على الجنة”، ولم يكتف من أصابه برصاصة في الرقبة، وإنما أطلق عليه الخرطوش فأصابه في ظهره فسقط، وتم تلقينه الشهادة ممن حملوه 3 مرات”.
كانت جنازة عبد الرحمن مهيبة مفعمة بالمشاعر الجياشة، شارك فيها الآلاف، بكاه والداه وإخوته حين استلام جثمانه بمشرحة كوم الدكة، وتم الصلاة عليه بمسجد الجمعية الشرعية في منطقة السيوف، في الأول من مارس/آذار 2014، وردد المشاركون هتافات تؤكد الإصرار على المضي في السعي لتحقيق ما خرج لأجله عبد الرحمن وغيره من شهداء هذه المسيرات.