علي إسماعيل.. حياة نضال وتضحية

البداية والمسار دليل الخاتمة، وجرت سنة الحياة أن “من عاش على شيء مات عليه”، ولذلك، لم يكن من المستغرب أن تُختم حياة بطل قصتنا بما تمناه، فسني حياته التي قاربت الخمسين، مليئة بالكثير الذي قدمه في سبيل أهداف سامية، مهد الطريق لنيل هدفه الأسمى وهي الشهادة.

ﻋﻠﻲ ﻣﺤﻤﺪ إﺳﻤﺎﻋﻴﻞ (49 عاما) ولد بقرية الهويس بسرابيوم في محافظة السويس، في الحادي عشر من مارس عام 1964 وﺗﺨﺮﺝ من ﻣﻌﻬﺪ ﻓﻨﻲ ﺗﺠﺎﺭﻱ ﺑﻌﺪ ﺍﻟﺜﺎﻧﻮﻳﺔ ﺍﻟﻌﺎﻣﺔ ﻋﺎﻡ 1985 ﺛﻢ ﺍﻟﺘﺤﻖ ﺑﺎﻟﺨﺪﻣﺔ ﺍﻟﻌﺴﻜﺮﻳﺔ ﻭأﻧﻬﺎﻫﺎ ﻋﺎﻡ 1988.

عقبها ﺍﻟﺘﺤﻖ بمعهد ﺍﻟﺼﻴﺎﺭﻓﺔ في الضرائب ﺍﻟﻌﻘﺎﺭﻳﺔ، ثم بدأ عمله في مصلحة الضرائب العقارية ﺑمدينة فايد ﻛﻤﺄﻣﻮﺭ ضرائب، واستمر في هذا العمل حتى استشهاده.

ﺗﺰﻭﺝ علي إسماعيل ﻋﺎﻡ 1992، وله من الأبناء 4، هم حفصة ومحمد وحسناء ومحمود، وكان مهموما بالآخرين، ناشطا في خدمتهم ودعوتهم للخير.

لم يكن إسماعيل جديد عهد بالعمل الوطني والاهتمام بمستقبل أمته، والوقوف في وجه الفاسدين في وطنه، وله في سبيل ذلك سوابق كثيرة من الابتلاءات في عهد الرئيس المخلوع حسني مبارك.

ﻛﺎﻥ إسماعيل بشوشا حسن السمعة، محبوبا بين الناس، لا تفارق الابتسامة محياه، خدوما، صلبا في الحق قويا في وجه الظالمين، ولم يفت في عضده ويهون من عزمه كثرة ما مر به من اعتقالات أو ابتلاءات في طريق ما يؤمن به.

فقد ﺳﺒﻖ ﺍﻋﺘﻘﺎله 5 ﻣﺮﺍﺕ، أولها عام 1994، ثم اعتقل في العام التالي له (1995) كما اعتقل عام 2003 وثلاثتها كانت من منزله بسبب رفضه مظاهر الفساد والإفساد في محافظته السويس، ونشاطه الدعوي والخيري وسعيه في مصالح الناس.

كما اعتقل عام 2005 ﻣﻦ ﻣﻈﺎﻫﺮﺍﺕ إﺻﻼﺡ الدستور التي خرجت في العديد من المحافظات، وكان إسماعيل مشاركا في مسيرة خرجت في محافظته الإسماعلية ﻣﻦ مسجد أﺑﻮ ﺑﻜﺮ الصديق، حيث اعتقل أثناء مشاركته في المسيرة.

أما آخر مرات اعتقاله قبل الثورة، فكانت ﻋﺎﻡ 2008 أثناء مشاركته ﻣﻦ مظاهرات اندلعت للتنديد بالحرب ﺍﻟﺼﻬﻴﻮﻧﻴﺔ ﻋﻠﻰ قطاع ﻏﺰﺓ، وكانت خارجة ﻣﻦ أﻣﺎﻡ ﻣﺴﺠﺪ ﺍﻟﻔﺘﺢ ﺑمنطقة ﺮﻣﺴﻴﺲ في القاهرة.

هذا النشاط المكثف والإقدام الواضح، والتضحيات المقدمة في سبيل قناعته، استلزمت بالضرورة حضورا لافتا عقب ثورة الخامس والعشرين، خاصة وأنه من أهل محافظة الإسماعيلية الباسلة التي كان لها حضورا محمودا في دعم الثورة والثوار.

دَعَم علي إسماعيل ثورة يناير وما لحق بها من مشاهد مكملة، وبرز في منطقته كأحد رموزها ورجالتها المخلصين، وكانت له بصمته الواضحة في مختلف الفعاليات اللاحقة للثورة، وحضور مؤثر فيها.

عقب الانقلاب العسكري في الثالث من يوليو/تموز، انبرى علي إسماعيل ليكون في مقدمة الصفوف الرافضة له، ورغم تجاوزه مرحلة الشباب وكثرة التزاماته، إلا أن ذلك لم يحل دون حضوره في المشاهد الرافضة لهذا الانقلاب، حتى لحظة استشهاده في جمعة الغضب التالية لفض اعتصام رابعة العدوية.

وكما عرف بتقدمه الصفوف في كل مظاهرات محافظته الرافضة للفساد والإفساد منذ الثمانينيات، لم يتخلف علي عن موضعه المعتاد في المقدمة خلال المسيرات التي خرجت في جمعة الغضب 16 أغسطس 2013، ليصاب بطلق ناري مصدره إحدى مدرعات القوات المسلحة التي خدمها في مقتبل عمره، اخترق جانبه الأيمن ليخرج من الأيسر.

ابتسامة علي المعتادة في كل الأحوال لم تفارقه في هذه اللحظة، حيث أفاد من شهدوا لحظة استشهاده أن الابتسامة كانت حاضرة على محياه، الأمر الذي استبشروا معه بصدق قصده وأملوا معه تقبله من الشهداء.

كان علي إسماعيل ﻳﺘﻤﺘﻊ ﺑﺼﻮﺕ ندي ﻓﻰ ﺗﻼﻭﺓ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﻭﺍﻻﻧﺸﺎﺩ، ﻭﺍﻟﺘﺤﻖ ﺑﻔﺮﻗﺔ ﺍﻟﻬﺪﻯ للأفراح ﺍﻻﺳﻼﻣﻴﺔ، ثم قام بتأسيس ﻓﺮﻗﺔ ﺯﻫﺮﺓ ﺍﻟﻘﻨﺎﺓ للأفراح ﺍﻻﺳﻼﻣﻴﺔ، ﻭﻛﺎﻥ في كل اﻋﺘﻘﺎﻝ يمر به ﻳﺨﻔﻒ ﻋﻦ ﻣﻦ يشاركونه الزنزانة ﻣﻦ ﺍﻟﻤﻌﺘﻘﻠﻴﻦ بصوته الندي.

كان من الأهاجيز والأناشيد التي عرف علي إسماعيل بحبه ترديدها “ﻳﺎ ﻋﺸﺎﻕ ﺍﻟﺸﻬﺎﺩﺓ ﻳﺎ ﻓﺠﺮ ﺑﻼﺩﻱ ﺍﻟﺴﺎﻃﻊ” ﻭﻛﺬﻟﻚ “ﺯﻓﻮﺍ ﺍﻟﺸﻬﻴﺪ ﻭﺧﻠﻮﺍ ﺍﻟﺰﻓﺔ ع ﺍﻟﺴﻨﺔ” وأيضا “ﺗﻬﻮﻥ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﻭﻛﻞ ﻳﻬﻮﻥ ﻭﻟﻜﻦ إسلامنا ﻻ ﻳﻬﻮﻥ”

كما ﻛﺎﻥ ﻟﻪ ﻧﺸﺎﻁ ﺑﺎﺭﺯ ﻓﻰ ﻗﺴﻢ ﺍﻟﺒﺮ ﺑﺠﻤﺎﻋﺔ ﺍﻻﺧﻮﺍﻥ ﺍﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ بعد التحاقه بها، ﺣﻴﺚ ﻛﺎﻥ ﻳﺴﺎﻫﻢ ﻓﻰ أﻋﻤﺎﻝ ﺍﻟﺒﺮ ﻭﺍﻟﻘﻮﺍﻓﻞ ﺍﻟﻄﺒﻴﺔ، ويجد سعادته ﻓﻰ ﻣﺴﺎﻋﺪﺓ ﺍﻵﺧﺮﻳﻦ ﻭﺧﺪﻣﺘﻬﻢ كما كان يصرح دائما وينقل عنه محبوه.

ﻗﺒﻞ ﺍﺳﺘﺸﻬﺎﺩﻩ ﺑﻴﻮﻡ، حدثت ﻣﺸﺎﺩﺓ ﻛﻼﻣﻴﺔ ﺑﻴﻨﻪ ﻭﺑﻴﻦ ﺍﺣﺪ ﺿﺒﺎﻁ ﺍﻟﻘﻮﺍﺕ ﺍﻟﻤﺴﻠﺤﺔ، الوقفين ﻋﻠﻰ إﺣﺪﻯ ﻤﺪﺭﻋﺎﺕ الجيش في ذات المكان الذي استشهد فيه في اليوم التالي، أﻣﺎﻡ مسجد ﻣﺠﻤﻊ ﺍﻟﺼﺎﻟﺤﻴﻦ، وقال له علي “امشوا من هنا” فرد الضابط “ﺍﺣﻨﺎ ﻫﻨﺎ ﻟﻠﺘﺄﻣﻴﻦ”.

رد علي علي إسماعيل “لا نريد تأمينكم” فحاول الناس تهدئته وقالوا له “سيبه يا علي”، وعاتبه بعضهم كون الضابط كان رده إيجابيا، فقال لهم علي “ﺩﻭﻝ ﺍﻟﻠﻰ ﻫﻴﻘﺘﻠﻮني ﻭﻳﻘﺘﻠﻮﻛﻮﺍ” وصدقت نبوءته لتأتيه الرصاصة من جانب هذه المدرعات بعدها بأقل من 24 ساعة.

تقول زوجته ناديا علي ﺃﻡ ﺣﻔﺼﺔ، إنها تزوجت علي منذ 21 عاما وكان لها “أب وزوج وابن وأخي ﻭصدي.. وﻟﻢ يكن يخاف من كلمة الحق، فهو لا يخاف إلا الله، وحين حصل الانقلاب، قال إن استمر الحال على ما هو عليه فباطن الأرض أولى بنا من سطحها”.

تقول إنها كانت دائما سعيدة وفخورة كونها زوجة هذا الرجل، والآن ازداد فخرها وعزها كونها زوجة شهيد قدم روحه في سبيل ربه ونصرة دينه ووطنه.

فيما قالت ﺍﺑﻨﺘﻪ حسناء: ” كان بالنسبة لكل فرد من أفراد العائلة صديق.. فهو لم يكن مجرد أب”، فيما قالت ابنته حفصة، “من المشرف ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ لنا قطعة ﻓﻲ ﺍﻟﺠﻨﺔ ﻓﺄﺑﻲ ﺇﻥ ﺷﺎﺀ ﺍﻟﻠﻪ ﻓﻰ ﺍﻟﺠﻨﺔ ﻭﻫﻮ ﻣﻨﺎ، وهو أمر مشرف، والدنا كان أغلى مخلوق في حياتنا”

ﻭﺑﻌﻴﻮﻥ ﺩﺍﻣﻌﺔ، تقول والدته إن ابنها كان يسعى للشهادة منذ أمد وقد نالها بإذن الله، وﺩﻋﺖ على من قتلوه وقالت: “حسبنا الله ونعم الوكيل فيمن تسبب في موته”.

كانت جنازته مهيبة بقدر مقامه في منطقته، شارك فيها شقيقه النائب السابق بمجلس الشورى، أحمد اسماعيل، الذي هتف خلالها منددا بالمجزرة التي ارتكبت في رابعة العدوية وما لحقها في مجمعة الغضب، وتقدم مشيعي شقيقه الذي كان أحد ضحايا المجزرة.