محمد بكري.. المدان رغم القيد السابق

ضمن 6 تم إعدامهم ظلما، حسب مراقبين وحقوقيين، أزهقت روح محمد بكري في السابع عشر من مايو/أيار 2015، بعد تلفيق تهم له بالانتماء لتنظيم إرهابي مسلح، استهدف ضباطا وجنودا ومدنيين، في القضية المعروفة إعلاميا باسم “عرب شركس”.

محمد بكري محمد هارون (31 سنة) كان يعمل محاسبا وتخرج من كلية “تجارة انجليزي”، ومتزوج من سيدة روسية، ولديه اثنين من الأبناء، بنت كانت تبلغ من العمر عامين حين وفاته، وطفل لم يتجاوز شهره الرابع حينها.

في الثامن والعشرين من نوفمبر 2013، كان محمد يسير في مدينة العاشر من رمضان التابعة لمحافظة الشرقية، هو وزوجته وأولاده، وحاوطتهم مجموعة من أفراد الأمن وقبضوا عليهم جميعاً.

أرسل محمد إلى مكان غير معلوم، واحتجزت زوجته في مقر أمن الدولة بمدينة الزقازيق 10 أيام هي وأولادها، وبعد التحقيق معها وأسئلة من نوعية “محمد بيكلم مين؟ بيقول ايه في التليفون”، خرجت زوجته وطفلاه بتحذيرات “لما تخرجي انسي انك شفتينا”، حسب رواية أمنية شقيقة محمد بكرى.

ألقوا بزوجة محمد وطفلاه في الشارع بعد أن سرقوا منها كل شيء، ولم يكن حتى معها المال للعودة لمنزلها.

بدأت رحلة البحث في مصلحة السجون، ومبان أمن الدولة، وإرسال تلغراف باختفائه لجميع المعنيين، لكن جميع تلك المحاولات باءت بالفشل، حتى يوم 21 مارس/آذار 2014، حيث ظهر محمد في سجن العقرب، ونُقل مع متهمين آخرين، هما هاني مصطفي، ومحمد عفيفي في طائرة حربية من سجن العازولي إلى سجن العقرب.

تم إدارج اسم محمد في قضية تفجير مديرية أمن الدقهلية بتاريخ 24 يناير/كانون ثاني 2014، وكذلك في قضية تفجير كمين مسطرد وعرب شركس اللذان حدثا في شهر مارس 2014 أي بعد أكثر من 4 أشهر من اختطافه.

ونقلت وسائل إعلام مصرية، عن مصادر أمنية أن محمدا، تعرض خلال التحقيق لتعذيب شديد جدا، نقل على إثره إلى مستشفى السجن ودخل في غيبوبة، وأن التحقيقات بدأت بسرية شديدة والنيابة كانت تنتقل إلى السجن للتحقيق، ولم يكن مسموحا برؤيته أو التواصل معه من خلال المحامي لأن السجن كان ينفي وجوده من الأساس.

كانت أمنية والدته الأخيرة قبل إعدامه، أن تراه، فحسب شهادة المحامي خالد المصري، فقد طلبت منه قبل 3 أيام من موته أن يستخرج لها تصريح لزيارته، ولكن لم يكن مكتوبا لها ذلك، حيث سبق حبل المشنقة تحقيق تلك الأمنية.

تم التعجل بإعدام محمد ورفاقه في القضية، وكان ذلك قبل موعد فصل القضاء الإداري في دعوى بطلان قرار التصديق على حكم الإعدام بيومين، ورجحت مصادر بأن يكون سبب ذلك على سبيل الانتقام لقضاة ثلاثة لقوا مصرعهم في حادث إرهابي بشمال سيناء قبل تنفيذ الإعدام بأيام.

تقول شقيقته أمنية، إن شقيقها أُجبر على الاعترافات مثلما حدث لجميع المتهمين تحت وطأة التعذيب، لكن بتحويله للنيابة رفض محمد التوقيع وأفاد بأنه اعترف تحت ضغط وتعذيب.

تلفت شقيقة محمد إلى أن الأسرة كانت تتطلع لزيارته بعد نقله لسجن العقرب، لكن تم منع ذلك بشكل حاسم، لأنه رفض التوقيع على الاعترافات، ولم تجد الأسرة فرصة لرؤيته سوى كانت في المحكمة لمدة 5 دقائق قبل الجلسة من وراء وحينها حكى لهم عن جانب من التعذيب الذي تعرض له في سجن العازولي.

تنفي أمنية بشدة وجود أي نشاط سياسي لمحمد قبل اعتقاله، وتؤكد أن نشاطه الوحيد كان تحفيظ القرآن للأطفال في زاوية بجانب المنزل، وبسبب هذا النشاط اعتقل منذ عام 2006 إلى 2009.

ولفتت إلى أنه ضمن التهم الموجهة له، محاولة تفجير اعتصام رابعة العدوية لإلصاقها بالأمن، والاتصال بنائب مرشد الإخوان بخيرت الشاطر، والرئيس الراحل محمد مرسى.

ومما أسف له الكثيرون، رفض خاله سامح عاشور الذي كان نقيبا للمحامين حينها، الحضور للتحقيقات معه والدفاع عنه، لخوفه من تبعات ذلك ولعلاقته بالنظام الذي قرر أن محمد عنصر إرهابي خطير، يعادي الوطن!

كثيرون شهدوا بامتلاك محمد شخصية قوية وآسرة ومؤثرة، ولعله حاول استثمارها في نشاطه بتحفيظ الأطفال القرآن، لكن تلك الشخصية كانت أحد مبررات النظام في اتهامه بقيادة “تنظيم إرهابي” واعتباره المتهم الثاني في قضية عرب شركس، وتكوينه رفقة متهمين آخرين القيادة المركزية لجماعة أنصار بيت المقدس.

الكاتب الصحفي، سليم عزوز، اعتبر في مقال له، حالة محمد بكري، تمثل نموذجا صريحا لما اسمها نظرية “أهل الخطوة”، فبعد أن أعلنت وزارة الداخلية اعتقاله بتاريخ 24 يناير 2014، ومشاركته في تفجيرات مديرية أمن الدقهلية، في 24 ديسمبر 2013، عادت وأعلنت مشاركته في أحداث قضية “عرب شركس” التي وقعت في 15  مارس 2014.

ويضيف في المقال، إنه بحسب هذا الإعلان، فإن محمد بكري هارون ارتكب جريمة “عرب شركس” بينما كان مقبوضا عليه على ذمة تفجيرات مديرتي أمن الدقهلية والقاهرة!.

ينقل عزوز شهادة محاميته السيدة “بثينة القماش” بأن “هارون” هو موكلها وأنه ألقي القبض عليه في 28 تشرين الثاني/ نوفمبر 2013، هو وزوجته الروسية وطفلته، ثم تم الإفراج عنهما وبقي هو مسجونا بلا أي قضية، وبدون توجيه اتهام له، وبدون أن يسمح لها أو لأي من أسرته بزيارته.

تقول شقيقته إيمان، التي تعيش في الخارج منذ سنين، إن شقيقها محمد كان قريبا منها رغم البعد، حيث كان دائم الاتصال بها، وتصف كيف كان أولادها متعلقين به، ويتقبلون نصحه الذي كان يقدمه بطريقة مرحة جميلة، وفي مقدمته توجيههم لبرها والحفاظ على الصلاة.

تضف بأن محمد لم يكن مجرد أخ فقط، بل كان صديقا مخلصا رغم أنه يصغرها في السن، وكان ذا عقل متزن، ومن ثم كانت تأخذ برأيه في مختلف شؤون حياتها، وتبرر ذلك بأنه كان دائما يبحث عن رضا الله أولا.

كان محمد حسب شهادة شقيقته، “رقيقا طيبا بارا بوالديه، لم يجلب لها أي مشاكل في أي مرحلة عمريه كما هو حال الكثير من الشباب، وكان حييا حتى قبل التزامه الديني”.

عرف محمد بصوته العذب وهو يتلوا كتاب الله، وله تسجيلات نقلت له وهو داخل السجن، كذلك وهو يردد الأناشيد الدينية التي كان يصبر بها نفسه والمظلومين معه في القيود وخلف القضبان.

وقوبل حكم الإعدام الذي تم تنفيذه في محمد 5 آخرين، بحالة واسعة من الاستنكار الحقوقي، واعتبرته جهات حقوقية دولية ومحلية “ظالما” قد عصف بكل الحقوق، وحذرت من تكراره حتى في سنوات لاحقة.