لعل من أشد عوامل الألم المشتركة بين ضحايا مذبحة بور سعيد، أن جميعهم كانوا شبابا في مقتبل العمر، ومن ثم كانت فاجعة الأهل فيهم أشد، خاصة وأنهم كانوا يسعون من خلال حضورهم لقاء ناديهم المفضل إلى البهجة واللهو المباح، كما الحال مع بطل قصتنا.
باسم الدسوقي عثمان (20 عاما) ابن مدينة الروضة، التابعة لمركز فارسكور بمحافظة دمياط الشمالية، فجعت به أسرته ضمن 74 أسرة فجعت بأبنائها في مذبحة بور سعيد التي وقعت في الأول من فبراير/شباط 2012 متزامنة مع الذكرى الأولى لموقعة الجمل.
ولد باسم في 11 نوفمبر/تشرين ثاني 1991 وبوفاته كان قد أتم عقده الثاني قبل أقل من 3 أشهر، ومن ثم كانت فاجعة الأسرة فيه كبيرة، ظهرت بشكل جلي من خلال مداومة والديه وشقيقته وأقربائه على الكتابة عنه وإحياء ذكراه في كل مناسبة، حتى بعد أن أوشك عقد جديد على الانتهاء بعد وفاته.
كان باسم طالبا مجدا مجتهدا، متفوقا في مختلف مراحله الدراسية، وكان قد أنهى لتوه امتحانات الفصل الأول بعامه الدراسي الثاني في قسم الإنتاج والتصميم بكلية الهندسة، ولعله كان يبحث عن جانب من الترويح عن النفس بذهابه إلى لمتابعة المباراة من استاد بور سعيد.
لم يمنع باسم اجتهاده أن يكون مخلصا كذلك في حبه ودعمه لناديه الأهلي، فقد كان أحد أعضاء رابطة مشجعيه في محافظته دمياط، ومن ثم لم يكن مستغربا أن يشهد باسم المباراة.
كان لباسم من اسمه نصيب، فقد كان حسب شقيقته إلهام صاحب ضحكة جميلة لا تفارق وجهه دائما، وحياته كانت مصدرا للبسمة والبهجة، لافتة إلا أنه رغم حزنها الشديد عليه، إلا أنها سعيدة لاستشهاده وفخورة بذلك.
كان نصيب باسم من أسباب الوفاة في هذه المذبحة، ضربة مباشرة على الرأس وإلقاء من ارتفاع قرابة 40 مترا، حسب شهود عيان، فيما أعلنت شقيقته إلهام بعد نحو 7 أشهر من الحادثة أنه تم التعرف على قاتله، والذي كان يعمل مستخلص جمارك في بور سعيد، حسب بياناته التي نشرتها.
ألم أسرة باسم، دفعها إلى الإصرار على المطالبة بالقصاص العادل من قتلته، ورفض أي مساومات أو ترضيات ربما تطيل طريق هذا المسعى لدرجة أن أعلنت والدته رفض قبول منحها ووالده عمرة من قبل إدارة نادي الأهلي رغم عدم ارتباط الأمر بقضية محاكمة المتهمين في الحادثة.
بعد 6 أعوام من مقتله، يبحث ابن عمه بهجت يوسف عما يحيي به ذكرى فقيد عائلتهم، فينشر آخر حديث بينه وبين باسم، ويطلب الدعاء له بالرحمة والمغفرة، فهو الشاب الذي كان جميع أفراد الأسرة يتطلع للفرح له ومشاركته بهجة الارتباط والزواج الذي كان يأمل فيه.
ظل أصدقاء باسم أوفياء له، واستمرت مشاركتهم أسرته الألم شهورا وسينينا، وأظهر والد باسم امتنانه الشديد لهم على ذلك، كما دعاهم للحفاظ على أنفسهم وعدم تعريضها لظروف قد تؤدي إلى مصاب جديد، فالقلوب لم تعد تقوى على تكرار مثل هذه الفاجعة.
كما حرص زملاء باسم في الجامعة على الإبقاء على ذكراه حاضرة، ورفعوا لافتات النعي له في ذكرى لاحقة لاستشهاده، فيما نظم له صديقه الشاعر إسلام كنفاش أبيات من الشعر تركت الأثر الجميل في كل من سمعها منه.
وقبل 10 أيام من ذكرى وفاته التاسعة التي مرت منذ أيام، لحق الوالد المكلوم بفلذة كبده، حيث توفي الدسوقي عتمان يوم 20 يناير 2021 في مسقط رأسه عقب صلاة العصر، وتتابعت الدعوات له بالرحمة والمغفرة وأن يجمعه الله بولده باسم في جنات عدن