عبد الرحمن كمال.. حلم يوأد في مهده

ما إن أنهى عبد الرحمن كمال اختبارات فصله الجامعي الأول، وفي اليوم التالي، التحق على الفور بركب الغاضبين في الشارع يوم جمعة الغضب، ليلتحق سريعا بزمرة شهداء الثورة بعد إصابة مباشرة من أحد قناصي وزارة الداخلية.

عبد الرحمن كمال (18 سنة)، كان طالبا في السنة الأولى بكلية التجارة قسم انجليزي بجامعة عين شمس، مقبل على الحياة متطلع لمستقبل أفضل، ولعله كان الدافع الأساسي لرغبته في المشاركة في فعاليات جمعة الغضب ضمن فعاليات ثورة 25 يناير.

كان الابن الوحيد لوالديه إضافة إلى شقيقة أكبر منه، وكان من متميزا طوال فترة دراسته، يشهد له الجميع بحسن الخلق، كما كان أحد دعائم أسرته الصغيرة وكذلك عائلته الكبيرة، ويحبه جميع أفرادها.

كان يرى كغيره من مئات الآلاف من شباب الثورة أنهم يستحقون مستقبلا أفضل، وأنه بات من المحتم إنهاء مرحلة طالت من الفساد والإفساد، استمرت قرابة 30 عاما تربع فيها الرئيس المخلوع حسني مبارك على السلطة ومن قبله قرابة 30 عاما أخرى من حكم العسكر.

مع انطلاق الثورة في الخامس والعشرين من يناير، كان عبد الرحمن لا يزال يؤدي امتحانات فصله الأول في الجامعة ومن ثم لم يتسن له المشاركة في انطلاقتها، كما كان خوف والديه عليه حائلا أمام إعلان أي رغبة في المشاركة في الفعاليات.

أنهى عبد الرحمن امتحاناته يوم الخميس 27 يناير، وفي جمعة الغضب طلب من والده السماح له بالنزول فرفض الوالد الأمر، إلا أنه طمأنه بأنه سيذهب مع رفقته لتنزه، ثم جاء نبأ إصابته للوالد في المساء.

يقول محمد ابن خالته والذي كان برفقته، إنهم اجتمعوا عند الخامسة وتوجهوا لتجمع الغاضبين الذين كانوا بالآلاف، وحين أطلقت قوات الداخلية قنابل الغاز المسيل للدموع بكثافة، حاولوا الابتعاد ودخول حديقة في الجهة المقابلة لقسم شرطة عين شمس.

وبينما كان عبد الرحمن ضمن آلاف الثوار ينادون بالحرية والعدالة الاجتماعية، لم يتورع عساكر وضباط الداخلية من استهداف المشاركين بقنصهم من نوافذ القسم، وكان نصيب عبد الرحمن طلقة نافذة أصابت رأسه بمجرد دخوله الحديقة.

تم نقل عبد الرحمن لمستشفى هليوبوليس، والتي لم تقبل حالته لخطورتها وأوصت بنقله لمستشفى أكثر تجهيزا، ليتم نقله إلى مستشفى عين شمس التخصصي، وقد ساءت حالته وتدهورت بسبب تأخر إسعافه وعلاجه.

أصيب عبد الرحمن بتهتك في المخ وتهشمت جمجمته، وتم إجراء عملية له في محاولة لإنقاذ حالته، وظل في غيبوبة استمرت 9 أيام كاملة، إلى أن حانت ساعة القدر الإلاهي، وصعدت روحه إلى بارئها مساء السبت الموافق 5 فبراير/شباط 2011.

دفن عبد الرحمن يوم الإثنين في السابع من فبراير، نظرا لصعوبة الاجراءات، حينها وكان حوله أهله وذويه، وفي مقدمتهم خاله محمد عبد العزيز الذي كان في إجازته السنوية من عمله بالسعودية، ورافق جسده الجريح من حين إصابته وحتى وصوله لمستشفى عين شمس.

تحكي والدته وهي لا تكاد تتمالك عبرتها حتى بعد شهور من رحيله، كيف أنه كان شابا مطيعا بارا بوالديه، محبوبا بين جيرانه ومعارفه، ولم تلق أي عنت أو مشقة في تربيته، ومن ثم كان رحيله صعب عليها.

كان عبد الرحمن يحب الرياضة وكرة القدم، وكان يعشق نادي الزمالك، ومخلص في تشجيعه له، ولم يكن منشغلا بالسياسة، إلا أنه كغيره من الشباب، وجد بصيصا من الأمل يتبدى في تظاهرات مختلفة خرجت في 25 يناير.

وعلى مائدة الإفطار في أول رمضان أتى بعد استشهاده، تستذكر والدته عاداته الرمضانية وما كان يحب أن يأكله في إفطاره، كما يتذكر والده آماله وطموحاته البسيطة التي كان يشترك فيها مع معظم أبناء جيله،

بينما يتذكر والده متانة العلاقة بينهما، فحسب تعبيره، لم يكن بمثابة الولد فقط، بل كان صديقه، وقد تعلق عبد الرحمن بوالده منذ أن كان لديه 4 سنوات، ومن ثم كان الأثر كبيرا على الوالد حين الفقدان.

ظل عبد الرحمن في ذاكرة الثوار حتى بعد الانقلاب العسكري، حيث كان حاضرا في هتافاتهم ووقفاتهم، واعتبروا حراكهم ضد الانقلاب وفاء لدمائه ودماء جميع شهداء الثورة التي سالت في أيامها الأولى.