يحيى عواد.. الأزهري خفيف الظل

متعدد المواهب، شمولي الفكر، سريع الخطا نحو الهدف، خفيف الدم والظل، آسر للب من عاشره، غيور على الأزهر وبناته، حبيب والديه وإخوته، محب للثورة والثائرين، انتهت حياته بـرصاصة بالرأس في الأيام الأولى من عام 2014.

يحيى عواد محمد عوض (17 عاما) طالب الثانوية الأزهرية، الذي وضع طريق خاله ياسر طه، أستاذ الطب بجامعة الأزهر الذي كان أحد أبرز شهداء مجزرة الحرس الجمهوري، في الثامن من يوليو/تموز 2013، نبراسا ودليلا له يقتفي أثره، لم تمض 7 أشهر حتى لحقه على ذات الدرب.

كان يحيى عواد من مواليد الثالث عشر من فبراير/شباط 1997، في قرية المنايل، مركز الخانكة، بمحافظة القليوبية، والتحق بالأزهر، وكان محبا له، فخورا بالانتماء إليه، معلنا ذلك في كل مشهد، ومطالبا بنهضته ومتطلعا إلى إصلاحه وإعلاء شأنه، وكان يعد نفسه ليكون أحد علمائه في المستقبل.

شارك يحيى في اعتصام ميدان التحرير، إبان ثورة يناير، ورغم حداثة سنه، إلا أنه استحوذ اهتمام المشاركين بصوته الجهوري وهو يهتف ويردد أبيات الشعر، ورفعوه على المنصات المنتشرة في الميدان، وكان له دور في شحذ همم المعتصمين.

في يوم الجمعة، الثالث من يناير/ كانون ثاني 2014، خرج يحيى رفقة أصحابه للمشاركة في مسيرة رافضة للانقلاب العسكري في ميدان حلمية الزيتون بحي المطرية، شرقي القاهرة، وكما العادة، واجهت في وقت ذروتها واشتداد حماسة أفرادها رصاص قوات الأمن وقنابلها المسيلة للدموع.

كان بطل قصتنا يحيى عواد، يصلي العصر مع الجماعة الثانية، وبدأت القنابل تتساقط من حوله، ورصاص الخرطوش يتطاير هنا وهناك، لكن ذلك لم يدفعه لترك الصلاة أو الإسراع فيها، وما إن أنهاها وتحرك محاولا الابتعاد عن مناطق الخطر، حتى عاجلته رصاصة في الرأس، ليسقط مدرجا في دمائه.

نقل يحيى عواد إلى العناية المركزة في مستشفى المطرية التعليمي، وظل في غيبوبة خمسة أيام، لتفيض روحه إلى بارئها يوم الأربعاء الثامن من يناير، وتنتهي حياته القصيرة في سنواتها الكثيرة فيما حوت من تفاصيل حكاها من بعده والديه وإخوته ومن عرفوه.

يحكي شقيقه محمد، كيف كان يقول في ثقة، إنه سيكون أول شهيد في العائلة بعد خاله، الدكتور ياسر طه، ويردد عند كل مواجهة، ليس العبرة بمن سبق، وإنما بمن صدق، ويداعب والدته بين الفينة والأخرى باستحضار أمنيته أن يتزوج من الحور العين، وأنه غير متطلع للزواج في الدنيا.

يقول والده، إنه كان نعم الابن البار، أتم حفظ كتاب الله وهو في الصف الثالث الإعداد، وكان يحفظ الكثير من الأحاديث، ويهوى الشعر، ويمارس رياضة كرة القدم، ويقابل صعوبات الحياة بصدر رحب، وكانت مراهقته رجولة، كاشفا عن أن شهادة وفاته كتب فيها أنه مصاب بطلق ناري في الرأس أدى لتكسير الجمجمة.

كان يحيى ذكيا شجاعا، صادعا بالحق، قوي القلب، وكان موهبا في نظم الشعر وإلقائه، انضم إلى رابطة أدباء حزب الحرية والعدالة، وألقى الشعر في بعض منتدياتها، كما أنه كان موهبا في ممارسة كرة القدم، وانضم إلى نادي السكة الحديد في فريق الناشئين.

منعه والديه من المشاركة في الاعتصام يوم فض رابعة العدوية، خوفا عليه لما يعرفونه من إقدامه، وحين أصيب شقيقه في ذلك اليوم، قال له سأسبقك، فتعجب شقيقه من ذلك ولم يكن يعلم أنه سيكون، وحرص بعدها على المشاركة في كل الفعاليات الرافضة للانقلاب، حتى جاءه القدر.

كان يحيى كذلك متفوقا في دراسته، يطمح إلى الالتحاق بكلية الطب التي كان خاله الشهيد أستاذا فيها، ومع ذلك ظل طيف الشهادة حاضرا في مخيلته وعلى لسانه، فما يشتريه من ملابس حسنة، إنما هي للقاء الحور في الجنة، وما يقرأه أو يستذكره، إنما هو ليقربه من مراده وهدفه بنيل الشهادة.

تقوله والدته، إن يحيى كان شخصا نموذجيا ومميزا في العديد من الأمور، حصل على العديد من شهادات التقدير في العديد من المسارات، وكان ذا رؤية صحيحة للدنيا، نجح في الاستمتاع بعمره في ظل تقوى الله، وكان محبوبا تستشعر أنه ممن قال فيهم ربه إني أحب فلانا فأحبوه، وكان محبا للقراءة والتحصيل، وكان يوصي صحبه دائما بتجديد النية.

كان يحيى حريصا على كتابة وصيته وتحديثها قبل مشاركته في أي فعالية، وكانت الوصية التي تركها تحمل 3 رسائل، أولها لأهله وأسرته طلب منهم فيها ألا يحزنوا وأن يفرحوا باستشهاده، وثانيها طلب فيه من أهل بلده وأصدقائه، أن يتذكروه وأن يثأروا لدمه، وثالثها استودع فيها الله مصر وأهلها، وسأله أن يحفظهم.

وفي مشهد مؤثر، جمعت والدته أصدقاءه أمام قبره بعد دفنه، وقالت لهم إنه من طلب منها ذلك، وأوصاها أن تخبرهم أنه قد سامحهم ويطلب بدوره منهم أن يسامحوه، وأخبرتهم أن كان يسعى للشهادة ويطلبها، وحين تفاتحه الحديث عن رغبتها في أن يتزوج يرد عليها بأنه سيتزوج في الجنة.

تؤكد أمه أنه كان عال الهمة، مهموما بحال بلده، حزينا لما يصيب البنات على يد قوات الجيش والشرطة، وأنه كان كلما هم للخروج إلى مسيرة أو وقفة بادر بالاغتسال، وإذا عاد منها، عاد حزينا لأنه لم ينل الشهادة بعد، ويحكي لوالدته عمن سبقوه إليها.

ترك استشهاد يحيى أثرا كبيرا في زملائه من طلبة الأزهر الذين كان منسقا عاما لحركته ضد الانقلاب، كما ترك أثرا في أصحابه حتى نظم له بعضهم شعرا، فيما خرج المئات في جنازته، وبات قبره مزارا بشكل يومي لفترة طويلة بعد استشهاده، يفد إليه أصحابه حيث يدعون له ويتلون آيات الله على قبره