ضمن نحو 60 شخصا، كان عاطف محمد الحلفاوي، على موعد مع الشهادة بالتزامن مع الاستفتاء على الدستور الذي أجرته سلطة الانقلاب العسكري في الرابع عشر من يناير/ كانون الثاني 2014.
ورغم اعتياده المشاركة في المشاهد الرافضة للانقلاب العسكري وإجراءاته، إلا أن عاطف الحلفاوي (29 سنة) بدأ ذلك اليوم، بمتابعة الآلاف من أبناء قريته ناهيا، التابعة لمركز كرداسة، ومن بينهم والدته وإخوته، وهو ينتفضون رفضا لدستور الانقلاب والتصويت عليه، ويعلنون موقفهم ذلك في مسيرات سلمية جابت القرية.
لم يمنعه من المشاركة خوف أو عجز، وإنما كان يتأهب حينها للذهاب إلى عمله، وبينهما هو كذلك، علم باستهداف العسكر لهم ومهاجمتهم بالقنابل المسيلة للدموع ورصاص الخرطوش، فقرر العدول عن الذهاب للعمل والنزول للمشاركة في المسيرة والذود عن أهله وأبناء قريته.
وبينما دفع الغاز المسيل للدموع الذي أطلق بكثافة إلى انفضاض المسيرة وتفرق المشاركين فيها، تخطاهم عاطف متوجها إلى الصفوف الأولى دون خوف أو وجل، وهناك وقبل استشهاده بدقائق وجد شابا قد أصابته رصاصة في رأسه، وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة، فأسرع لحمله، وصرخ بصوت عال، نحن مسلمون عزل، لم كل ذلك.
وما إن تأكد من مفارقة الشاب الحياة، حتى تابع في غضب موجها حديثه للعسكر الذي يطلق النار، في تحد، هأنذا أعزل دون سلاح، لو كنت رجلا فتعال واجهني، ولكن سرعان ما انهال عليه الرصاص، ليصاب بـ 3 رصاصات في الظهر والبطن والكتف، وظل رافعا سبابته ينطق الشهادة إلى أن فارق الحياة حسب من شهدوا لحظاته الأخيرة.
كان عاطف، القائم على شؤون والدته وإخوته إضافة إلى أسرته الصغيرة، فقد توفي والده وقد جاوز العاشرة من العمر بقليل، ليتحمل مسؤولية عائلته، من حينها، ويضطر إلى ترك مدرسته وهو في سنوات المرحلة الإعدادية الأولى، وعمل في مهنة النقاشة، وبرع فيها حتى بات من أميز النقاشين في قريته.
شهد حميع من عرف عاطف له بدماثة الخلق، وطيبة القلب، ورغم تركه للدراسة اضطرارا، إلا أنه كان مثقفا مطلعا، ذا عقل وحكمة، ومحل ثقة وتقدير من جميع من عرفه، ويلجأ إليه بالاسشارة من أنهوا دراستهم وتعليمهم.
تزوج قبل ثورة 25 يناير بنحو شهر ونصف، لكن ذلك لم يمنعه من المشاركة في أيام الاعتصام بميدان التحرير، وكان مقبلا شجاعا، أصيب في جمعة الغضب، لكن ذلك لم يمنعه من الاستمرار في الميدان، وكان في الصفوف الأولى يوم موقعه الجمل.
تعرض للاعتداء عليه أكثر من مرة عقب الانقلاب العسكري، لمجرد كونه ملتحيا، وشارك في اعتصام رابعة العدوية وكان ضمن المسؤولين عن تأمين الميدان والمعتصمين، وأصيب في أحداث النصب التذكاري، وكان في قريته من المسؤولين عن اللجان الشعبية والخدمية، كما كان معروفا بإقدامه في مسيرات شارع مصطفى محمود.
كتب جاره حين علم بوفاته، محاولا إبراز شدة المصاب، إنه بموت عاطف، ماتت الرجولة.
كان يمني نفسه بالشهادة ويسعى إليها سعيا حثيثا، وكان حين يرى الشباب يرسمون الجرافيتي للشهداء، يقول لهم لا تملأوا الجدران واتركوا لي مكانا بينهم، وكان يسمي حسابه بموقع فيسبوك “الشهادة يارب“.
تقول والدته بدرية، إن ابنها عاطف كان محبوبا من الجميع، يقوم على أمر أسرته، وكان يسعى في الإصلاح بين الناس، وكان بارا بها، يقبل يدها ورأسها قبل خروجه للعمل وعند عودته، وكان واصلا لرحمه، نافعا لجيرانه، قدوة ومثالا لأبناء جيله ومن هم أصغر منه.
تقول زوجته الشيماء مجدي، إن عاطف كان رجلا بمعنى الكلمة، وهو من الرجال الذين لا يمكن رفضهم، وكان شهما محترما متدينا، فيما توجه شقيقته أسماء رسالتها إليه في غبطة، وتقول لقد شرفتنا باستشهادك.
يحكي صديقه وائل خليل، كيف أنه كان مثالا للشجاعة والإقدام، يجتمع عليه شباب القرية، وفي آخر حديث له معه قبل الاستفتاء بيوم، أخبره بأنه يشعر بأن يوم غد (الذي استشهد فيه) يحمل الكثير من المفاجآت، وربما لم يكن يعلم كما لم يعلم هو، أن هذه المفاجأة ستكون استشهاده.
لم تتوقف أسرة الشهيد عاطف الحلفاوي عن خطه ونهجه في مقاومة الانقلاب والوقوف أمام استمراره، وقدمت في سبيل ذلك التضحيات، حيث ألقي القبض على 2 من أشقائه، هما أحمد وسمير.
شارك الآلاف في تشييع جثمانه، كما شهدت جنازته مشاركة طائرتان هليكبوتر للجيش، لا بقصد التشييع وطلب الأجر، وإنما لمراقبة الحضور خوف من خروجه عن السيطرة.
عكست الوقفات الحاشدة التي نظمت أمام مسكنه في الأيام التالية لاستشهاده، وحرص بعض من لم يعرفه على أداء العمرة له، وشهادات متلاحقة على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي له عقب استشهاده، مدى مكانته وقدره لدى محبيه.