علاء عويس.. عريس فمطارد فشهيد
“شهيدا أنت قبل أن تكون” هكذا كانت تراه زوجته رغدة محمد، وهكذا عبرت حينما أرادت أن تصفه، وهي التي لم تهنأ بصحبته بعد الزواج سوى لستة شهور، اضطر بعدها لتركها وهي تنتظر وليدهم الأول، حيث بات مطاردا ومطلوبا من قبل الأمن، قبل أن يقبضوا عليه.
في السادس من ديسمبر/كانون الأول 2016، أعلنت وزارة الداخلية في بيان لها تصفية 3 شباب، منهم بطل قصتنا، علاء رجب عويس (28 سنة)، وذلك بعد أشهر من إخفائهم قسريا، وزعمت أن ذلك جاء خلال مواجهة مسلحة، اضطرت معها قوات الأمن لإطلاق النار ما أدى لمقتل الثلاثة.
وأكملت الوزارة مزاعمها التي باتت أشبه بدباجة ثابتة لبياناتها بشأن من تتم تصفيتهم، وقالت إن من قتلتهم كانوا من كوادر حركة مسلحة اسمها “حسم”، وأنها وجدت بحوزتهم أسلحة وأعيرة نارية، وأوراق تنظيمية تحمل أفكار جماعتهم الإرهابية ونشاط عناصرها.
هذه المزاعم، كذبتها أسرة علاء وحقوقيون، حيث ثبت أنه تم توثيق القبض عليه وإخفاءه لفترة بلغت أكثر من 3 أشهر قبل إعلان تصفيته، ونقلت مؤسسة عدالة لحقوق الإنسان، مناشدة أسرته بعد أن تم اختطافه من قبل قوات الأمن بأحد شوارع القاهرة، في سبتمبر 2016، وتحميلها السلطات المصرية المسئولية الكاملة عن سلامته.
أرسلت أسرة علاء العديد من التليغرافات لوزير الداخلية والنائب العام، ورئيس نيابة مركز بني سويف، والمحامي العام لنيابات بني سويف، يؤكدون فيه أن علاء تم القبض عليه من أمام أحد الكمائن بعد خروجه من عمله يوم السبت الموافق 13 أغسطس آب، 2016، وانه لم يتم الاستدلال على مكانه.
ومن ثم، وثقت منظمات منها التنسيقية المصرية للحقوق والحريات والشهاب لحقوق الإنسان، مقتل علاء ورفيقيه، باعتبارها جريمة قتل خارج إطار القانون، وتصفية من قبل وزارة الداخلية لأفراد قبضت عليهم في وقت سابق وأخفتهم قسرا.
تخرج علاء من كلية التربية قسم اللغة الفرنسية، وكان من أسرة بسيطة من محافظة بني سويف، جنوب القاهرة، وعاش حياة جادة منذ نعومة أظافرة، حيث كان عصاميا، حرص على ألا يحمل والديه تكاليف دراسته ولوازمه، فعمل في فترات إجازاته وكان يصرف على نفسه مما يكسبه من عرق جبينه.
ورغم تفوقه وطموحه واجتهاده، فضل علاء أن يلتحق بشعبة أدبي ليقلل من مصاريف تعليمه، ليلتحق بكلية التربية قسم اللغة الفرنسية، لحبه تعلم اللغات عموما، وكانت بديلا عن كليه أخرى أحبها، لكن مصارفها العالية وظروفه المادية حالت دون تحقيق هدف الالتحاق بها.
كان حنونا ذا طبع رقيق، قالت أخته، إنه أصر على أن يلتحق أخاهم الأصغر بالكلية التي يحبها، وساعده في مصارفها كي لا يحرم مثله من تحقيق حلمه، وكان معروفا بعاطفته الجياشة تجاه الأطفال، فكان يحبهم ويحبونه لما عودهم عليه من جلب الحلوى والهدايا.
تقوله زوجته، إنه كذلك كان يدللها ويعاملها كابنته، ويقول لها أنت ابنتي الأولى، كما تشهد بأنه كان نعم الزوج والأخ والصديق، وتقول إنها كانت له الزوجة الحبيبة والصديقة المقربة.
كان شديد البر بوالديه، وتشهد له والدته أنه لم يرهقهما بأي تكاليف أو متاعب في حياته منذ صغره، حتى كان يخجل أن يطلب منها إعداد الطعام إن شعر بأنها مرهقة.
كما كان واصلا لرحمه، وفي هذا السياق، يشهد له أقرباءه أنه كان أول الحاضرين في مناسباتهم الخاصة، كما كان له دور فاعل في اجتماعهم خلال المناسبات العامة، ولذلك أبدى بعضهم أسفه لافتقاد ذلك بعد أن اضطر للابتعاد، بسبب سعي قوات الأمن وراءه.
وكان لعلاء علاقة خاصة بكبار السن، يصفهم في حديثه بأنهم “بركة الحياة”، وكان حريصا على تقبيل أيديهم احتراما لهم، ولذلك كان قريبا إلى قلوبهم، وأظهروا حزنهم الشديد لفقده.
وعلى المستوى العملي، كان يسعى لتطوير إمكاناته، حيث حرص على أخد دورات تدريبية في مجال الكمبيوتر والشبكات، كما كان مولعا بالقراءة في التاريخ الإسلامي، وكان رياضيا يحب السباحة وكرة القدم.
عرف علاء بأمانته الشديدة، وشهد له بذلك القريب والبعيد، تنقل زوجته عن أحد أصدقائه أنه كان يأتمنه على أموال شركته كلها، وكان يعتمد عليه في الكثير من الأعمال ويعطيه ثقته الكاملة.
كما يحكي آخرون عن روحه الجميلة والعذبة، التي عشقها كل من عرفه ولو عن طريق الصدفة، حتى بات من يسمع قصص أصدقائه عنه وعن سماته، يود لو أن كان قد التقاه وحظي بصحبته لما له من أخلاق حسنة.
كانت رقته طبع يهنأ به كل من عامله، حتى الغريب، ومما حكته عنه زوجته، إشفاقه على عجوز رآه في الطريق جالسا في البرد، فأعطاه معطفه وكوفيته، كما اشترى مرة من امرأة تجلس في البرد كل بضاعتها من الخضروات، حتى تعود لبيتها وتحتمي من السقيع.
تقول زوجته: “8 شهور خطوبة، و6 شهور زواج، ثم 5 شهور مطاردة، وبعدها 4 شهور إلا أسبوع اختفاء قسري، يشهد الله أني ما عرفتك فيهم إلا شهيدا تقيا حييا حنونا رقيق القلب، لم أرك إلا مبتسما حتى وإن ألم بك هم أو أغضبك أحد، نعم الزوج أنت ونعم الرفيق”.
بعد أن استلمت أسرته جثته، حضر والد زوجته تغسيله، وقال لابنته إنه لم يجد عليه أثر تعذيب، وإنما رصاصتين، إحداهما في رقبته والأخرى في جنبه الأيمن، وكانوا نزيف دمه مستمر رغم وضع القطن لإيقاف النزيف، وهي إحدى علامات الشهادة.