شريف سامي.. إجازة لنيل الشهادة!
لم يجد في معيشته الهانئة خارج البلاد، وعمله بوظيفة مرموقة أَهّلَه لها تخصصه النادر، ما يمنعه من مشاركة المصريين في طلب حرية الوطن، والتظاهر رفضا للفساد، والتعرض في سبيل ذلك لقنابل الغاز والرصاص الحي، رغم تحذيرات المحبين وتثبيط المحبطين.
شريف سامي (37 عاما) كان يعمل مهندس بترول في السعودية، ولقي ربه شهيدا في 22 نوفمبر 2011 خلال تظاهرات خرجت في الإسكندرية متزامنة مع أحداث محمد محمود، تستنكر ما تعرض له الثوار بميدان التحرير وشارع محمد محمود، وتطالب بالقصاص من القتلة، ليطالها ما طالهم.
تؤكد أسرة شريف سامي أنه لم يكن ينتمي لإي جماعة أو تيار فكري، رغم ما عرف عنه من التزام ديني دفع البعض للاعتقاد بانتمائه لأحد التيارات الدينية، حيث كان لا يؤخر أداء الصلاة عن وقتها، وإن كان على سفر أو في موقع عمل غير مأهول، يجمع من معه ويؤمهم في حال لم يكن هناك من هو أكثر أهلية منه بذلك.
وربما تدركه صلاة الجمعة خلال عمله في صحراء السعودية، أو صلاة العيد في مكان عمله، ومعه نفر من زملائه المهندسين والعمال، فيقوم فيهم خطيبا بما تيسر أو من كتاب خطب يحرص على وجوده معه تحسبا لمثل هذه المواقف.
بدأ اهتمامه بالشأن العام مبكرا منذ سني عمره الأولى، حيث تحكي والدته أنه عندما كان في الثالثة من عمره، يتأثر بشدة حين يشاهد ما يحدث في فلسطين من اعتداءات الاحتلال الإسرائيلي، ويردد “سأقتلهم وأموت شهيدا”، وهو لا يعرف أنه سينال الشهادة لكن على يد عسكر وطنه.
يوم استشهاده، تناقلت الصحف ووسائل الإعلام إفادات نُقلت عن أسرته، بأنه رجل “ليس له في السياسة” وكان تواجده في محيط المواجهات التي حدثت محض صدفة، لكن حقيقة الأمر كانت بخلاف ذلك، حسب رواية شقيقته التي كشفت عنها في وقت لاحق.
في البداية، كانت الرواية المتداولة هي أنه خرج رفقة زوجته لقضاء حوائج خاصة بهم خلال إجازتهم السنوية، حيث كان من المنتظر أن يعود إلى عمله بالسعودية بعد أسبوع من يوم استشهاده، وخلال مروره بمحيط مديرية أمن الإسكندرية، وجد أناسا يركضون ويقولون، “كله يوطي.. الأمن بيضرب في المليان”.
وعقب انتهاء الأمر، رفعت زوجته رأسها لتجد زوجها غارقا في دمائه وقد أصيب إصابة مباشرة بإحدى قنابل الغاز، وتم نقله للمستشفى لكن روحه كانت قد صعدت لبارئها.
لكن شقيقته شيرين، أكدت أن هذه الرواية ليست دقيقة، وبررت ما تم نقله على لسان أسرته حين استشهاده من أنه لم يكن منشغلا بالسياسة، وأن إصابته كانت بقنبلة عاز طائشة، كان أمرا اضطراري لجأت له الأسرة، لاعتبارات مختلفة متعقلة بحقوق الأسرة وعمله، دفعت إلى ذلك حينها.
وأشارت إلى أن شقيقها لم يتوف أمام مديرية الأمن كما أفادت شهادة الوفاة، وإنما كان ذلك عند مسجد حاتم القريب من محيط المديرية، مؤكدة أن الاسرة طالبت بتغيير تقرير الشهادة، إلا أن طلبها قوبل بالرفض من جهات رسمية.
وروت السيدة شيرين ما حدث، حيث قالت إن شقيقها شريف، كان حريصا على المشاركة في الفعاليات الثورية المطالبة باسترداد حقوق المصريين، وأثر فيه بشدة ما كان يحدث للمتظاهرين في شارع محمد محمود وميدان التحرير، وكذلك استشهاد بهاء السنوسي، في 19 نوفمبر 2011، الأمر الذي أصر معه على المشاركة في فعاليات الإسكندرية.
وتشير شيرين إلى أن شقيقها لم يكن دافعه في اهتمامه بمستقبل بلده الحاجة إلى منفعة مادية أو خاصة، حيث أنه من أسرة مقتدرة، أكثرها أطباء ومهندسون ووالده كان أستاذا في جامعة “متشجن” وزامل رئيس الوزراء الأسبق كمال الجنزوري، لكن ما دفعه للمشاركة في التظاهرات، الظلم الذي كان يراه.
واستحضرت شقيقة شريف مجريات اليوم الأخير من حياة أخيها، وقالت إنه هاتفها عصرا للذهاب إليها، وأخبرها أنه عقب لقائها سيشارك في المظاهرات، وأنه أكد لها أنه أخذ إجازة من عمله في السعودية وجاء خصيصا للمشاركة في هذه التظاهرات.
وتابعت: “قلت له خللي بالك يا شريف حتموت”، فرد علي “أنا جاي عشان أموت شهيد”، ولفتت إلى أنه في زيارته الأخيرة لمصر كان ينتابه ألم مما يحدث فيها وكان النوم يجافيه، فقد كان مؤمنا بجميع مطالب الثورة، وكان يعلق على الأحداث في حزن “أكنا نحتاج كل تلك الدماء لتحقيق مطالب الثورة”.
وأشارت شيرين إلى أن شقيقها كان حريصا على المشاركة المستمرة، وله صورة وهو يحمل إحدى بنتيه في المظاهرات، لافتة إلى أنه تم التقاطها قبل استشهاده بأيام.
وكشفت عن أثر استشهاده في محيطه، حيث كان الخبر صادما للكثيرين، ومنهم زملاؤه في العمل بالسعودية، مشيرة إلى أن بعضهم أبدى رغبة في ترك العمل لعدم القدرة على المواصلة في غيابه، وأصروا على أن تعوض الشركة التي يعمل فيها أسرته.
كان من آخر ما كتبه قبل استشهاده بأيام: “اللهم إنا نجعلك في نحورهم ونعوذ بك من شرورهم.. اللهم أنت عضدنا وأنت نصيرنا، بك نجول، وبك نصول، وبك نُقاتل.. اللهم انصرنا على الظالمين واقذف الرعب في قلوبهم.. اللهم أمدنا بجنود من عندك وانتصر لنا”، وأرفق دعاءه بصورة لجثث متظاهرين بميدان التحرير.
يحكي شقيقه هشام، كيف أنه حين وفاة والدهم عام 1987 وعمره آنذاك 12 عاما، ورغم حزنه الشديد وألمه لفراق والدهم، حيث كان له منزلة خاصة لديه لأدبه وذكائه، خط ورقة لا زالت معه، جمع فيها آيات وأحاديث من كتاب فقه السنة، عن آداب عدم النواح على الميت وأعطاها له ولأمه، فكانت عونا له ولأسرته بعد استشهاده.