أحمد صالح.. المسعف الضحية
الشهيد رقم 45 حسب بعض التقديرات، وآخر شهداء أحداث محمد محمود رغم أنه أصيب في ثاني أيامها، حيث ظل في العناية المركزة قرابة 20 يوما، بعد إصابته بطلق ناري في العشرين من نوفمبر/تشرين الثاني 2011، وتفيض روحه إلى بارئها في العاشر من ديسمبر/كانون أول.
أحمد محمد صالح (21 عاما)، أصيب بطلق ناري في العمود الفقري، وآخر في الرقبة، أدى إلى تهشم عظمة الترقوة وتهتك في النخاع الشوكي، ليدخل في غيبوبة 20 يوما قبل إعلان وفاته، وكان من مصابي ثورة 25 يناير.
حسب شهادات أسرته، فإن أحمد كان موعد تسليم مشروع تخرجه الجامعي بعد يومين من تاريخ إصابته، حيث كان طالبا في الفرقة الرابعة بأكاديمية المستقبل، في تخصص الحاسب الآلي، إلا أن القدر لم يمهله، وجاءت أحداث محمد محمود لتمنحه شهادة التخرج من الحياة.
لم يكن أحمد ينتمي لأي جماعة أو تيار أو حزب سياسي، لكنه كان مهموما بمستقبل بلاده، طامحا في أن ينصلح حالها وأن يحصل الشعب المصري على حقه في معيشة كريمة، ولذلك كان يتواجد بميدان التحرير أغلب أيام الثورة وما تلاها من فعاليات.
كان أحمد معروفا بتطوعه في إسعاف المصابين حال حدوث مواجهات أو اشتباكات مع قوات الأمن، حيث ظل في شوارع العاصمة خلال فعاليات الثورة التي سبقت أحداث محمد محمود ينقل ويسعف مصابين وشهداء، وهو ما زاد من قلق أسرته عليه وخوفهم أن يتعرض للأذى كون هذا الدور يستلزم منه التواجد في المناطق الملتهبة.
المتابعة لما تنقله شاشات التلفاز، من مشهد القتل والدم خلال تلك المرحلة، ومشاهد الجثث الملقاة في الأماكن المخصصة للقمامة، كان يضاعف من خوف والدَيْ أحمد، ولذلك كانوا يتابعانه بالاتصال الدوري ومحاولاتهما اليائسة لإثنائه عن التواجد في ميدان التحرير.
تحكي والدته عن مجريات أحداث يوم استشهاده، حيث استيقظت صباح الأحد 20 نوفمبر، وتفقدت غرفته ولم تجده، فانزعجت بشدة لغيابه، لكنه حضر وجلس يشاهد التلفاز رفقة والديه، ليعبر بغضب عن ما يراه من تغطية إعلامية مغرضة، ويقول لهما دون مقدمات، إن ما يشاهدونه كذب.
نظرت إليه والدته وبكت في صمت، فيما رد عليه والده “قولنا أنت الحقيقة”، فرد أحمد: “مش هقولك، إنزل انت بنفسك وشوف”، ثم عاد إلى غرفته.
لحقته والدته إلى حجرته، وأعلمته بخوفها الشديد عليه، فرد عليها قائلا: “انتي عاوزاها جنة ولا نار“، فأجابته “ايه اللى انتى بتقوله دا؟”، فقال لها “طيب عوزيها جنة بقى”، وبعدها نام قليلا، وحين رآه والده وهو نائم قال ”ربنا يهديك ويحفظك يا بني”، لكنه لم يكن يعلم أنها نظرة الوداع.
استيقظ أحمد وخرج متعللا بذهابه إلى أحد أصدقائه لإعادة ملابس له، لكن لم يعد، وبعد أن تأخر، بدأت أسرته في القلق عليه ومحاولة الاتصال به، ثم الخروج للبحث عنه، وكان قد عاد إلى الميدان ليمارس دوره الذي ارتضاه في إسعاف المصابين.
أصيب أحمد في هذا اليوم، وكانت إصابته حرجة، وتم حمله إلى مستشفى القصر العيني الفرنساوي، الذي رفض استقباله فنقل إلى القصر العيني، العنبر رقم 5، والذي كانت تصفه والدة أحمد بعنبر الموت، وعلمت أسرته لاحقا أن أحمد ظل ينزف قرابة 4 ساعات وهو في العنبر قبل القيام بأي إسعافات له، واستمر في غيبوبة 20 يوما قبل إعلان الوفاة.
ظلت أسرة أحمد تطالب بالقصاص له واسترجاع حقه، وفي سبيل ذلك شاركت في العديد من الفعاليات المطالبة بحقوق الشهداء، والتقت الرئيس الراحل محمد مرسي الذي استقبلهم رفقة أسر شهداء آخرين في قصره، وقال له والده حينها، “الشهداء هما اللي جابوك هنا يا دكتور مرسي.. أوعى تفرط في دمهم”.
كان أحمد يحلم بإنهاء دراسته وتعويض أسرته البسيطة عما تكلفوه خلال دراسته، وقد كان قاب قوسين من التخرج، حيث كان موعد تسليمه مشروع تخرجه الأخير بعد يومين من يوم استشهاده، لكن ذلك لم يمنعه من التواجد الدائم في الفعاليات، والمساهمة في إسعاف مصابي الثورة.
يعبر شقيقه كريم الذي يصغره بعام، عن ألم شديد لفقده، فقد كانت علاقتهما وثيقة، فحسب تعبيره، كان “أنتيمه” (صديقه المقرب)، كانوا يخرجون سويا ويتشاركون في الكثير من الأمور، وأبدى حزنه الشديد لحرمانه من أخيه وغضبه الجم ممن تسببوا في ذلك، مؤكدا أنه لن يتوانى في السعي لأخذ حق شقيقه والقصاص له.
كانت أسرة أحمد مع مطالبتها بالقصاص له، حريصة على أن يستمر الشباب في السعي لتحقيق ما مات من أجله ابنها، فقد قالت والدته خلال مشاركتها بإحدى الفعاليات اللاحقة، التي نظمها شباب الثورة: “اتحدوا واعتصموا بحبل الله وانبذوا خلافاتكم، الأمل فيكم والنصر قادم على أيديكم فأنتم أفضل من أنجبته مصر”.