استأذن أحمد مدحت حسن عبد الحافظ الشهير بـ”أحمد توني” أو “عبقرينو”، الطالب بالفرقة الثالثة بقسم هندسة مدني بالمعهد العالي للهندسة والتكنولوجيا فرع أكتوبر، والده في الذهاب صباح الأحد 8 من فبراير/شباط 2015م لأستاد الدفاع الجوي لحضور مباراة ناديي الزمالك إنبي في كرة القدم؛ مع أصدقائه فوافق الوالد، ولم يكن يعرف أنها المرة الأخيرة التي سيرى فيها نجله.
قبلها بستة أيام فقط كان أحمد قد نجح في الفصل الدراسي الأول، وكتب تدوينة على حسابه بالفيسبوك يداعب فيه نفسه وأصدقاءه: “الحمد لله حتى يبلغ الحمد مُنتهاه، الولد أحمد بن المعلم الزناتي (في إشارة فكاهية لنفسه) نجح يا ردالة (رجالة) ..”، ومن جانبه أكد والده أنه كان من الأوائل على دفعته.
وصل أحمد إلى عامه الحادي والعشرين، إذ وُلِدَ في 9 من ديسمبر/كانون الأول 1993م، بمحافظة الجيزة ضمن نطاق القاهرة الكبرى في حي فيصل بشارع العشرين الشعبي؛ ولم يكن أستاد الدفاع الجوي ببعيد جدًا عنه، بحسب موقع توثيق ضحايا مجزرة الدفاع الجوي.
أما والده فيؤكد أن أحمد كان قمة في الأدب والأخلاق؛ وكل أصدقائه يُحبونه، ويُبادل الناس من حوله الود والاحترام، نظرًا لكونه يخاف الله في جميع تصرفاته، وأصدقاؤه بالتالي من أفضل الشباب، ويلقي الأب بالمسئولية عن مقتل ابنه على القائمين على الدوري المصري.
كانت المبارايات الخاصة بكرة القدم تم إيقافها وبالتالي تعليق الدوري بعد مذبحة بورسعيد التي راح ضحيتها نحو ستة وسبعين مشجعًا عقب مباراة بين النادي الأهلي والمصري، ولاحقًا عادت المبارايات، ثم تم السماح للجماهير بالحضور إلى أستاد الدفاع الجوي التابع للقوات المسلحة تحت دعوى تأمينهم والحفاظ على أرواحهم، وقبل المباراة بأيام قليلة أعلن رئيس النادي الزمالك أن التذاكر ستكون مجانية.
وقبل المباراة أعدت الداخلية كمينًا للمشجعين عبر ممر حديدي عملاق مغلق، ولما ذهبوا كثر التدافع بين الجماهير، وحدث صدام بسبب إطلاق قوات الأمن الغاز المسيل للدموع والخرطوش والرصاص الحي، وكان أحمد جالسًا إلى جوار سور حديدي لما بدأ الضرب ومعه صديق اسمه كريم أحمد كتب على صفحته بفيسبوك أنه كان مُلاصقًا للمهندس (أحمد مدحت) لما أراد الأخير معرفة ما يحدث لما بدأت الأحداث لكنه اُستُشهدَ.
من جانبه قال والد أحمد بحسب فيديو بعنوان مفاجأة في تصريحاتر، لبرنامج لمحطة إم بي سي الفضائية في صباح اليوم التالي لوفاة ابنه أنه حاول الاتصال بنجله وصديقه منذ السابعة والنصف مساء، بعد نهاية المباراة، فوجد هاتفهم مغلقًا، فلما حاولوا إحضار رقم هاتف صديق آخر من صفحة أحمد على الفيسبوك وجدوا صورة له وهو مُتوفى، وراسه مربوطة بشاش طبي، ويؤكد والده أنه لما شاهد الصورة لما يستطع تمالك نفسه، فنزل إلى الشارع كالمجنون باحثًا عنه؛ فقيل له: اذهب إلى مستشفى القاهرة في القطامية؛ وهناك قيل له بل اذهب إلى مشرحة زينهم بحي السيدة زينب.
وفي المشرحة كان على الوالد أن يتعرف على ابنه وسط الجثامين المُختلفة؛ في ظل معاملة بالغة السوء، مع إرغام أهل الضحايا على التوقيع على إقرار بأن سبب الوفاة لن يكتب في التقرير الخاص بها؛ وإنما عبارة: “الجثة تحت الفحص”، خوفًا من ذكر أن أحمد مصاب برصاصتين في الصدر، وسقط من فوق السور الذي كان مُستندًا إليه مما أدى إلى فتح في رأسه من الخلف بقرابة اثنتي عشرة غرزة.
قال الطبيب للوالد المكلوم: “احتسب ابنك عند الله”، وأعطاه رقم هاتفه طالبًا منه الاتصال به لمعرفة موعد استخراج شهادة الوفاة.
واتهم الوالد القائمين على المشرحة بإحداث أكثر من فتح بجثمان نجله لتضييع حقيقة مقتله، ومنه من أسفل الذقن حتى أسفل السرة، دون داع سوى محاولة المداراة على الجريمة.
كما أكد والد أحمد أن نجله كان جل وأكثر همه في الحياة أن يتخرج من معهده بتقدير عال يمكنه من التحضير لدرجة الدكتوراة والسفر لألمانيا للإقامة هناك، ولذلك كان أساتذته دائمي التواصل معه وتشجيعه.
أُقيمتْ صلاة الجنازة على أحمد في اليوم التالي بمسجد السلام بأول فيصل، وكان تلقي العزاء بمسجد آل حمد بنفس الحي، كما صلى الطلبة صلاة الغائب عليه لاحقًا في المعهد، بحسب تغريدة لصديقه أحمد محمد على تويتر في 15 من فبراير/شباط 2015م.
كان أحمد أحد نشطاء مواقع التواصل وأدمن صفحة بطوط وقد نعته وتناقل نشطاء النعي وفق مثل هذه التغريدة.