لم يكتف محمود سليمان حسن (19 عاماً)، بما اعتاد قوله لوالدته بعد الثورة من أنه لن يُحزنها، بل سيُسعدها بأن تصبح والدة لشهيد؛ وحينما كانت تتساءل: “وكيف ستعرف أنك شهيد بعد موتك”، كان يجيبها في يقين: “لا تخافي علي من هذا الأمر سأعرف بإذن الله”، فلم تكن تملك إلا أن تقول له: “أريد أن أصبح أُمًا لشهيد لكن بعد وفاتي”، وزاد محمود عن ذلك بأن نشر صورة له على موقع فيسبوك في 21 من يناير/كانون الثاني 2012م، قبل استشهاده بأحد عشر يومًا؛ واضعًا شريطًا أسود بأعلاها كعلامة لموته؛ وكاتبًا الشهادتين بأعلاها، بحسب ما نقلته شقيقته وخبر شوف الشهيد/محمود سليمان حسن كان كاتب ايه علي الفيس بوك قبل ما يموت ـ موقع الحق والضلال ـ 2 من فبراير/شباط 2012م.
كان محمود أصغر أفراد أسرته المُكونة بالإضافة إليه لشقيق اسمه محمد وابنتين، ويروي والده العميد بالقوات المسلحة في تقرير تلفزيوني مُطول لقناة النادي الأهلي في 26 من فبراير/شباط 2012م، أن آخرما كتبه محمود على صفحته بالفيسبوك، قبل سفره من الزقازيق بمحافظة الشرقية لمدينة بورسعيد لمشاهدة مباراة في دوري كرة القدم، هو الشهادتين.
أما صديقه أحمد طارق فيؤكد أن صديقه قال له إنه يرغب في مُغادرة الحياة؛ وأنه يريد أن يكون “مُشهورًا” بعد وفاته، صديقه محمد زكي شدد على أنه أوصله بعد الفجر إلى حيث ركب الحافلة (الأتوبيس) مع مجموعة من الشباب الذاهبين لمشاهدة المباراة؛ مُحاولًا منعه من السفر، ومُذكرًا له بأن الأستاد هناك له أكثر من مدخل، والأمن في مصر كلها غير مستقر بعد نجاح الثورة، والمُشاحنات بين جماهير الناديين الأهلي والمصري شديدة، وأن الأخيرين قد ينتقمون بخاصة أنهم بين أهلهم، فرد عليه بأنه يعرف أنه ذاهب ليموت.
صديق الشهيد، محمود شعبان ذكر في نفس التقرير أنه صاحبه لرحلته الأخيرة في الأربعاء الأول من فبراير/شباط 2012م، وإنهما فوجئا بوجود جميع أنواع الأسلحة في المُدرجات، وهجوم بلطجية عليهم في المباراة عدة مرات مع عدم وجود لقوات للأمن، أو منع للاعتداء على مشجعي النادي الأهلي من الأولتراس، مع قطع الإضاءة عن الأستاد عقب نهاية المباراة وفوز الأهلي بهدفين لهدف للنادي المصري؛ وفوجيء بسقوط محمود قتيلًا بجواره، فلم يعد يدري هل يُدافع عن نفسه أم عن صديقه أم عن المُصابين الآخرين؟
وفي النهاية تم نقل المصابين في قطار ولم يتم إسعافهم، وفي الزقازيق تم إيقاف القطار بالقوة ومُعالجة مَنْ كانوا فيه، أما أعجب ما رأه فهو أن السيارة التي نقلت المشجعين للقطار كانت تابعة للداخلية من التي تستخدمها في ترحيل المساجين؛ مُنطلقًا من ذلك إلى أن الأمن كان يعاقب جماهير الأهلي على رفضهم الظلم ومشاركتهم في الثورة.
لما شاهد والد محمود الأحداث في التلفزيون الحكومي تمنى أن يكون نجله شهيدًا؛ وألَّا يكون الله تعالى سلط عليه حاكمًا ظالمًا بحسب قوله؛ واستقبل اتصالًا من طبيب بالمستشفى العسكري نجح في اختراق الرمز السري لمحمول محمود، فطلب منه عدم نقل جثمانه للزقازيق، وذهب مع شقيقه ونجله الآخر للتعرف على الشهيد، فوجد جثمانه اول جثمان استقبله.
في اليوم التالي لاستشهاده شيع أهالي قريته “الشيخ جبيل” التابعة لمدينة الزقازيق جثمانه بمشاركة المئات من مشروع “صُناع الحياة” الذي كان محمود عضوًا فيه منذ أربع سنوات، وضباط طيارون من أصدقاء شقيقه الشهيد النقيب طيار محمد، فيما قال والده بتقرير بعنوان المئات يشيعون شهيد «الشرقية» في «مجزرة بورسعيد» ـ المصري اليوم ـ 2 من فبراير/ شباط 2012م. إن محمود “كان ذاهبًا مع بعض أصدقائه لمشاهدة مباراة الأهلي والمصري في بورسعيد للترفيه عن أنفسهم أثناء عطلة نصف العام، خاصة أنه مجتهد فى دراسته ومذاكرته”، مؤكدًا أن “جسده (كان) خالٍ تمامًا من الطعنات أو الإصابات باستثناء كدمة فى جبهته، مما يدل على أنه أُلقي به من مُدرجات الأستاد التي كان يقف عليها”؛ وطالب والده “بسرعة التحقيق والقصاص لابنه، الذي لم يرتكب جُرمًا”.
من جانبهم أصدر القائمون على “صُناع الحياة” نعيًا له، في نفس يوم الدفن نشروه على صفحتهم بالفيسبوك، مُشيدين بمجهوداته في مشروعاتهم الخاصة من مثل محاربة الادمان، محو الأمية، مساعدة الأسر الفقيرة وغيرها، مُنوهين بفشل الحكومة في الحفاظ على الشباب ومنهم الشهيد، بحسب خبر صناع الحياة تنعي شهيدها بأحداث بورسعيد ـ أخبار اليوم ـ 04 من فبراير/شباط 2012م.
وفي إشارة لتقصير المجلس الأعلى العسكري الذي كان يحكم البلاد أثناء مذبحة بورسعيد؛ وفور استحقاق الرئيس الراحل محمد مرسي للرئاسة؛ وإعلان ذلك قامت زوجته السيدة نجلاء مرسال بزيارة اسرة الشهيد واستقبلتها الأخيرة بحفاوة بالغة مؤكدة على “أن هذا اليوم، يوم إعلان فوز الدكتور محمد مرسي رئيسًا للبلاد، بمثابة بداية حقيقية لاسترداد حقوق الشهداء، وهي عودة جديدة لإعادة محاكمة قتلتهم” بحسب خبر زوجة الرئيس مرسي تزور أسرة شهيد “بورسعيد” بالشرقية ـ دنيا الوطن ـ 25 من يونيو/حزيران 2012م، لكن الأحداث السياسية الكبرى في البلاد حالت بعد ذلك دون تحقيق رغبة أسرته.
تم إطلاق اسم اشهيد على مُدرج بكلية الهندسة بجامعة الزقازيق، وقاعة في مبنى محافظة الشرقية، وشارع رئيسي بمدينة الزقازيق، وإهداء أهله درع المحافظة تقديرًا لاسم الشهيد.