محمد مصطفى محمد مرسي
حلم محمد مصطفى محمد مرسي (22 عامًا) بأن يصبح أفضل مُصمم حاسبات إلكترونية في العالم؛ بخاصة مع دراسته في أكاديمية المستقبل بقسم نظم ومعلومات قسم حاسبات آلية؛ ورغم أصوله الصعيدية التي تعود لمدينة مغاغة التابعة لمحافظة المنيا الواقعة على بعد نحو 170 كيلومترًا من العاصمة القاهرة إلا أنه انتقل للسكنى في حي المرج الشعبي هو وأسرته.
والد محمد (62 عامًا عند استشهاد نجله) كان يعمل قبل خروجه للمعاش بالقوات المُسلحة المصرية وشارك في حرب 1973م؛ بالإضافة لأخيه مجدي (عمه 60 عامًا)؛ كما اُستُشهِدَ حسن مرسي فتح الباب جَدّه في حرب 1967م.
افتخرت عائلة الشهيد بماضيها بالوطني بالإضافة لاستشهاد “في محاربة الفساد”، وتؤكد والدته منى جابر توفيق (48) في تقرير أن نجلها شارك في الثورة منذ 25 يناير؛ وقام بتصوير الأحدث؛ ثم عاد حزينًا للمنزل، ليعرض الصور والفيديوهات على والديّه، بخاصة التي تحمل عُنفًا من الأمن على المُتظاهرين، فحاولت والدته تهدئته فقال لها: “بيعملوا فينا ده ليه إحنا مش عاوزين غير حياة بكرامة أنتِ ماشوفتيش عملوا إيه فى خالد سعيد ( الشهيد الذي قامت على إثر وفاته الثورة)”.
وأضافت والدته: “يوم الخميس 27 يناير لقيته مانامش لحد الصبح، وكان يُحدث كل أصدقائه وأقاربه عبر الإنترنت يطلب منهم أن يأتوا معه إلى التحرير يوم جمعة (الغضب)، وعندما حذره أحد أقاربنا خوفا عليه رد عليه (عائلة مرسى هتسيب بصمة فى الثورة وبكره تشوفوا)، وعندما دقت الساعة الثامنة (صباحًا) ارتدى ملابسه وقرر النزول إلى أصدقائه ولم يكن يعلم أنهم قاموا بقطع الإنترنت”.
من جانبه يبكي والده مكملًا: “عاد (محمد) بعدها بقليل ليفتح جهاز الكمبيوتر ليتأكد من أن الإنترنت ما يزال مقطوعاً ثم نظر إلى وقال (أنا نازل يا بابا عاوز حاجة) قالها لى ما يقارب 3 مرات فقلت له: خد بالك من نفسك، وما هى إلا دقائق حتى جاءني خبر استشهاده برصاص أحد القناصة”؛ فأثناء مروره أمام قسم شرطة المرج (في يوم الجمعة التالي 28 من يناير/كانون الثاني) أطلق أفراد الأمن المُحتمين بداخله الرصاص الحي على المُتظاهرين والمارة في الشوارع المحيطة؛ مما أدى لإصابته بطلق ناري في رأسه.
أسرع المتظاهرون بنقل محمد إلى مستشفى المطرية العام، وهناك ظل مُنتظرًا دوره للعلاج ضمن طابور المُصابين حتى لقي الله في نفس الليلة، بحسب التقارير الطبية فإنه فارق الحياة مُتأثرًا بتهتك في الرأس أحدث نزيفًا بالمخ إلى جانب إصابته بهبوط حاد بالدورة الدموية، بحسب تقرير «المصرى اليوم» تواصل نشر ملحمة «شهداء الثورة» في 15 من فبراير/شباط 2011م.
بعد دفن محمد الأكبر بين أشقائه فضلتْ مي (19 عامًا)، عبد الله (17 عامًا)، إسراء (8 سنوات) النزول لميدان التحرير ومشاركة الثوار وعدم البقاء في المنزل حتى “يرحل مبارك من الحكم، مطالبين بضرورة ملاحقة الفاسدين فى كل موقع وكل مكان (من مصر)”، بحسب والده.
أما والدته فأكدتْ أن نجلها كان مشغولًا دائمًا بالعمل الوطني ويناقش والده في ملابسات حربيّ 73، 67؛ مرتئيًا أن مصر تحتاج ثورة في جميع المجالات بخاصة البرمجيات والمعلومات.
أشقاءه أضافوا أنه ودعهم قبل خروجه يوم جمعة الغضب وكان مُدركًا إلى أنه لن يعود “وطالبوا المسؤولين بالقصاص لشقيقهم وباقى الشهداء. وكشفوا أن 11 شابا استشهدوا وأصيب 66 آخرون فى نفس اليوم أثناء تواجدهم أمام قسم شرطه المرج”.
من جانبها شددت ماجدة مرسي (عمة الشهيد) أن الدماء على ملابسه بعد وفاته لم تتأثر بالمُنظفات وظلت “مُلتصقة بملابسه وكأنها تعلن أن محمدًا مات شهيداً وهو يدافع عن بلده وحريتها مثل أى مقاتل فى ميدان المعركة”.
وأضافتْ هبة زارع محمد (مُعلمة ونجلة خالد الشهيد) أنها ما تزال تحتفظ بألبومات صور له جمعتها من الفيسبوك الذي كان الشهيد يعشقه؛ بالإضافة إلى ألبومات أصدقائه وأقاربه الخاصة بالمناسبات، ومن جانبه طالب عضو مجلس الشعب المستقل عن دائرة مغاغة وقت استشهاد محمد بإطلاق اسم الأخير على أحد الشوارع تخليدًا لذكراه، وهو ما لم تفد به الأخبار بعد ذلك.
لاحقًا التقى أحد محرري نفس الموقع الخاص السابق بوالديه مُجددًا بتقرير رحلة أسرة الشهيد محمد مصطفى من المرج إلى مقر المحاكمة في 3 من أغسطس/آب 2011م لتؤكد والدته أنها ما تزال تعيش مع نجلها وكأنه حي ما يزال، بخاصة كتبه وحاسبه الآلي، بل إنها تنتظر ما تزال رحلة العمرة التي وعدها بها من عمله في مقهى إلكتروني (سايبر) بجوار المنزل، مع تعليقها صورة كبيرة في غرفته وكتابتها تحتها أنه “شهيد الثورة”.
جهز والده يوم أولى جلسات محاكمة مبارك الأوراق التي تثبت حق نجله، رغم ألم ذراعه نتيجة اشتباكات مع قوات الجيش في أول أيام شهر رمضان الموافق لعام 2011م، أثناء محاولته الاعتصام في ميدان التحرير.
ذهب محرر الموقع الخاص مع والديّ الشهيد من المرج حتى المحكمة بالتجمع الخامس، وعند مقر المحاكمة في “أكاديمية الشرطة” علقا على كثرة الشرطة: “هما مش قالوا إنه هيتحاسب زيه زى أى مواطن عادى يبقى ليه كل دول.. شكلها هتبقى تمثيلية”، وبعد وقت كثير وجد والد الشهيد وحده دون والدته تصريحًا منفردًا بالدخول لمشاهدة وقائع المحاكمة.
لاحقًا تحدث والده ووالدته في فيديو خاص يوم 2 من يونيو/حُزيران 2012م عقب الحكم الأول على المخلوع مبارك بالمؤبد مُعلنين رفضهم له، ولجميع المحاكمات التي رأوها مخففة، سواء على ابنيه علاء وجمال أو العادلي، ورأيا أن مثل هذه الأحكام تُشل الثورة وتضيع دماء الشهدء، وتمهد لحكم الفريق احمد شفيق (بحسب قولهما).