خرج سيد جابر محمد سليم (27 عامًا) من مبنى جريدة الأهرام في حي الإسعاف القاهري القريب من ميدان التحرير وشارع محمد محمود ناويًا المشاركة في الأحداث الثورية في يوم الأحد 20 من نوفمبر/تشرين الثاني 2011م، دون أن يدري أنه اليوم الأخير في حياته.
تخرج سيد من معهد الخدمة الاجتماعية في دمنهور بمحافظة البحيرة قسم علم اجتماع دفعة 2005م، وحصل على شهادة تقدير من المعهد، ثم عمل في وظيفة مرشد ديني في شركة السياحة التابعة لمؤسسة الأهرام.، كان يسكن مع أسرته التي أتت من صعيد مصر لتسكن القاهرة في منطقة المرج بالقاهرة، كانت لديه شقته الخاصة في بيت أسرته، في انتظار اختياره شريكة الحياة التي يبدأ معها حياة جديدة بعد استقراره في العمل.
لما قامت ثورة 25 يناير؛ وبدأت أسرته تشاهد وقائعها عبر الشاشات خافت عليه من المشاركة في أحداثها، تقول والدته التي جاوزت الستين من العمر: “لما فَهَّمنا كنا الأول خايفين عليه، يا سيد ليخدوك.. يقولي يا أمَّه متخافيش عليَّ”.
وتُضيفُ والدته بحسب تقرير شهداء محمد محمود.. «رياحٌ تهز الشَّعير» ـ المصري اليوم 18 من نوفمبر2012م إن الشهيد كان اصغر أبناءها وفي إحدى المرات عندما كان يهم النزول للذهاب إلى الميدان أمسك به أخوه وحاول منعه قائلا: “متروحِش، أمك كِبرت وأبوك كِبر وأنتَ ناقصك إيه لو عايز فلوس هَدّيك قاله لأ هي فلوس؟! هي مسألة فلوس؟ هي مسألة أكل؟ هي مسألة كرامة مسألة حرية،” وغادر إلي الميدان.
في يوم الجمعة 18 من نوفمبر/تشرين الثاني 2011م كان ميدان التحرير على موعد مع مظاهرة مليونية جديدة، نظرًا لتباطأ المجلس الأعلى العسكري (الذي حكم مصر بعد تنحي الرئيس المخلوع مبارك) في تسليم السلطة لرئيس مدني، وبعد انصراف المُتظاهرين قرر بعضهم، بالإضافة لأهالي بعض الشهداء والمُصابين الاعتصام في الميدان للمطالبة بصرف تعويضات، وصباح السبت فوجيء المعتصمون بقوات الداخلية مدعومة من قوات الجيش تفض الاعتصام بالقوة مما أدى إلى سقوط مصابين جدد واعتقال البعض، وبعد ساعات اشتعل الموقف قرب مقر وزارة الداخلية، في شارع محمد محمود، المؤدي إلى ميدان التحرير، بانضمام مزيد من القوات والثوار وسقوط شهداء، لتبدأ أحداث عرفت إعلاميا ب “أحداث محمد محمود”.
ذهب سيد مع صديقه أحمد وعشرة آخرين من الأصدقاء لمنع إخلاء ميدان التحرير بالقوة، ووفقا للصديق، كان الشهيد ينوي وضع صور العنف من قوات الأمن تجاه المتظاهريه على الإنترنت، فيما كان الآخرون ينوون إنقاذ المُصابين؛ وهو ما نسيناه جميعًا لما شاهدنا سقوط الأطفال.
يقول أحمد “هو صديقي لم نفترق إلي أن فرقنا الهرج والفوضي والقنابل المُسيلة للدموع والدخان وطلقات النار العشوائية في مدخل شارع محمد محمود كنا نقف في أول الميدان بجوار الجامعة الأمريكية، وكان سيد يصور الثوار بكاميرا موبايل، كان الميدان ممتلئًا بالناس، ثم فوجئنا بقوات شرطة تطلق القنابل المسيلة للدموع والدخان؛ ثم سمعت طلقات رصاص بكثافة علينا وعلي مجموعة كبيرة من الأطفال كانوا يصطفون كأنهم في رحلة مدرسية ويهتفون يسقط.. يسقط حكم العسكر في هذا المكان الممتلئ بالغضب والمشاحنات والدخان..”.
ويُضيف صديق الشهيد بحسب صفحة الشهيد بإذن الله سيد جابر على الفيسبوك: “سقط من الأطفال عدد كبير علي الأرض وتساقط آخرون فوقهم ما بين مصاب ومتعثر؛ وعلا الصراخ والاستغاثة فتركنا مكاننا واندفعنا نحو الأطفال وحملت أحدهم؛ وكان غارقًا في دمائه، وجريت به ووضعته أمام شباب آخرين قاموا بنقله إلي مستشفي الميدان.. وعندما عدت مرة أخري إلي مكان التدافع لم أجد سيدًا؛ فحملت طفلا آخر كان يعاني من الإغماء والاختناق بسبب الدخان والقنابل”.
بعد قرابة ثلث الساعة أتصل أحد من محمول الشهيد بأحمد لتقول سيدة له إن: “سيد مصاب ونقل إلي القصر العيني”.
تكمل القصة والدة الشهيد فتقول إن اتصالًا هاتفيًا جاء في وقت متأخر لشقيقه محمد يخبره بأن الشهيد في غرفة العمليات بالدور الثالث من مستشفى القصر العيني القريبة من الميدان، فأسرع وشقيقه أشرف ذاهبين إليه، فلما طالبتهما والدتهما بأخذها معهما قالا لها: “لعله محموله ضاع كالعادة وأحدهم يعاكسنا”، لكن الأم أخذت إبراهيم (زوج ابنتها) وأسرعت للمستشفى؛ ورأت ابنها خارجًا من غرفة العمليات، وفي الطوارئ شاهدت النزيف المُتصل من بطنه، إن إن “الرصاصة الإسرائيلية” (بحسب تعبيرها) كانت مزقت الأمعاء والجهاز الهضمي وخرجت من الظهر، بالإضافة لتلقي الشهيد ضربة على رأسه، بحسب فيديو لقاء قناة صدى البلد معها بعنوان والدة الشهيد سيد جابر تطالب بالقصاص؛ ظل الشهيد في المستشفى غائبًا عن الوعي أربعة أيام، وفي فجر 25 من نوفمبر/تشرين الثاني التالي لإصابته لقي الله، ليكمل إخوته الاعتصام في شارع محمد محمود مع والديه.
تعلق والدة الشهيد قائلة: “والثأر لا يسقط مهما مر من الوقت”، و” لن تبرد ناري حتى أرى إعدام من قتلوا سيد .. ولو متعدموش أنا وأبوه هنروح ناخد تارنا إحنا صعايدة، ولو بعد عشرين سنة تارنا ناخده”. تقول السيدة المسنة بعد فترة من الصمت أن سيد كان “فاكهة قلبها” وتذهب إلى دولاب ملابسه تخرجها، تتأمل فيها وتتشمم راحته.
تم تسمية الشارع الذي يقع فيه مسكن أسرته باسم