دياب عبد السلام.. الإجازة موعد مع الشهادة
على اعتبار أن من قضوا في تلك المذبحة (فض اعتصام رابعة العدوية)، كانوا زمرة ممن اصطفاهم الله للشهادة، فإن هذا الاصطفاء شمل أفرادا كتب الله لهم شهود المكان رغم أن معيشتهم ربما تبعد آلاف الأميال، إلا أن الله قدر لهم الحضور، لينلوا هذا الاصطفاء.
دياب عبدالسلام علي (41 سنة) من مواليد 14 يناير 1972، بقرية العامرة مركز منوف بمحافظة المنوفية، متزوج و له 3 أبناء، كان يعمل مهندسا في الخارج، وصادف أن كان فض اعتصام رابعة العدوية في فترة إجازة يقضيها في وطنه، فكان ضمن كوكبة شهداء الفض.
تقول زوجته، “سبحان الله، لم يصطفيه الله بالصدفه، بل بحثت عنه الرصاصة وسط آلاف الناس في الميدان وأنا معه، بل هي الدعوة الصادقة التي كان يرددها في كل صلاة اللهم ارزقني الشهادة في سبيلك، وأنا أءمن عليه وأبنائه”.
وعن صفاته وسمته تقول زوجته، “لم يكن دياب شخصا طبيعيا يهتم بالاكل والملبس بل كانت همته عاليه فأول كتاب قرأته معه في بدايه حياتنا كتاب التذكرة في أحوال الموتى ضمن مكتبة ضخمة اشتراها بمصروفه وهو طالب بكلية الهندسة ومكافأت الجامعة”.
كان دياب قد خصص جزء من ماله، يهبه بشكل دوري لمن يعملون على تحرير أوطانهم، وكان شاغله الأكبر هو السعي للمشاركة في تحرير بيت المقدس من أيدي اليهود، ولم يخطر على باله أن الشهادة التي يأملها ستكون على يد جنود مصر، حسبما حكت زوجته.
لم يكن ذا جدل، فرغم حزنه الشديد لعدم وضوح الحق الذي يراه لبعض معارفه، والذين كانوا يهاجمونه ويكتبون تعليقات تسيء لتصوراته، كان يتجنب الرد عليهم والدخول معهم في جدل يراه بلا فائدة، الأمر الذي دفعه في النهاية إلى التقليل من الجلوس أمام شاشات التلفاز ومواقع التواصل الاجتماعي.
يحكي عنه أحد أصدقائه، فيقول، “دياب عبد السلام، كان مثالا للتربية الصالحة والفهم الوسطي للدين الله، وحب التضحية فى سبيله، والسعي في مصالح إخوانه وأحبته، وتفقد كبيرهم وصغيرهم، فقد كان إذا مات أحد أصدقائه، يتفقد أهله ويدبر لهم حالهم من فترة لأخرى.
كان دياب خفيف الحركه في عمل الخير، لم يستثقل يوما سعيا إلى طاعة أو موطن خير، ولم يتلكأ في عمل صالح، وهو حسب من عايشوه، ذا بركة في الوقت، من الله عليه بقضاء الكثير من الحوائج والأعمال في أوقات يسيرة.
كان دياب يقابل الإساءة بالصفح والحلم، وقد حكى عنه عدد من أصدقائه موافق تعكس شفقته وحلمه في موافق الخلاف، ومنهم من يستذكر تلك الموافق بندم وحزن، ويتمنى لو تعود به الأيام حتى لا يقع منه ما وقع تجاه دياب.
كان حسن المعشر، يتجنب البذيء من القول، لم يذكر أحدا من أصدقائه بسوء حتى وإن اختلف معه، ولم يغتب أحدا، ولم يحمل حقدا أو حسدا لأحد، فالحياة كانت هينة في نظره لا تستحق الهم والخلاف حول تفاصيل فيها.
في يوم فض اعتصام رابعة العدوية في الرابع عشر من أغسطس/آب 2013، والذي كان فيه على موعد مع رصاصة اخترقت جسده وأصابة كبده، كان أحد أصدقائه برفقته وأعطاه الماء ليشرب، فقال له إني صائم، وسألقى ربي صائما.
شهد المهندس دياب كغيره من آلاف المصريين مشهد فض الاعتصام، والذي كان مشاركا فيه خلال قضائه إجازته السنوية من عمله في إحدى دول الخليج، ورغم كونه بعيدا عن البلد وظروفه المختلفة، إلا أن ذلك لم يثنه عما يراه حقا لوطنه في الدفاع عن الحرية والوقوف أمام مصادرتها.
كان لدياب علاقة خاصة بالقرآن، فقد سبق حفظه له ومداومته على تلاوته، تخلقه بأخلاقه وعمله بتوجيهاته وتعاليمه، وتحكي زوجته كيف أنه كان يتلوه في السيارة وفي النادي، ولا يمل من تسميعه عليها، حتى في وقت شغله.
في بداية شبابه، اشترى دياب كتاب صحيح مسلم، وكان لديه برنامج دوري يحرص من خلاله على حفظ وتفسير حديث يوميا وتعليم غيره هذا الحديث، وفي مقدمة من يستهدفهم والدته وأخواته، وظل على ذلك حتى كبر أولاده وبدأ معهم تنفيذ ذات البرنامج.
من مآثره، أنه بادر حينما توفر ليده مبلغ معقول جمعه في بداية حياته الزوجية، إلى الذهاب لأداء الحج، وذلك بعد أن من الله عليه بأداء عمرتين، وذلك قبل شرائه سيارة أو منزل أو أي من متاع الدنيا الذي ربما يكون أولوية حياتيه لدى غيره.
كان كريما سخيا، لم يبخل بماله على أحد في حياته، سوى على نفسه، زهدا منه في الدنيا ومتاعها، فقد كان شديد الانشغال بالاستعداد ليوم رحيله، والاجتهاد في أن يكون أهلا للشهادة التي يتمناها.
كتب ابنه عمر في ذكراه السابعة، “كل عامٍ وذكراك بيننا قبسٌ من نورٍ في دروب الحياة المعتمة عليها نعيش، كل عامٍ ونحن على العهد لم نيأس ولم نسئم، كل عامٍ وأثرك الطيب لا يزول، كل عامٍ ونحن نعد الأعوام عداً لنلحق بك على خيرٍ بإذن الله.. لن نعتاد رحيلك ولن نعيش إلا على أمل اللقاء”.
فيما كتب ابنه علي “ما أصعب الحياة دون وجود أبي، فرّقتنا الأيام وجمعتنا الأحلام.. لا أرتاح يا أبي حتى أبكي كل ليلة لفراقك.. أراك في كل مكان وأحتاج لك في كل الأحيان، ذكرى تتجدد باستمرار.. تقطع قلبي.. لو كتبت عن مدى شوقي لك إلى نهاية الدهر ما انتهيت”.