محمد محمد فتحي محمد حسن
اختار وهو في سن الشباب ألّا يصمت على ما يراه ظلمًا وقهرًا واستبدادًا بل استعبادًا له وللشعب المصري، فمحمد محمد فتحي ابن إحدى المناطق الفقيرة في القاهرة الكبرى؛ إذ وُلِدَ ونشأ وترعرع في منطقة عزبة الوالدة في حي حلوان متلقيًا تعليمًا حكوميًا كأغلب بسطاء المصريين؛ ورأى وقال: “إنه لابد من حماية بلده مهما كان الثمن”.
بعد انتهاء تعليم محمد لم يجد عملًا؛ فالعمل محجوز (كما هي الحقيقة وكما لمس ورأى بنفسه) لأولئك الذين يملكون الواسطة والمحسوبية والمصالح المتبادلة مع المسئولين من هنا وهناك؛ ولإنه كان اجتماعيًا يشعر بقيمة ان يعين ويساعد أباه على تربية إخوته محمود وإسلام أسرع لينال دورة مكثفة في لحام المعادن، وبالتالي استطاع العمل عملًا مؤقتًا أو باليومية كلما احتاج أحد إليه.
كان محبوبًا من جميع المحيطين به كما تصف والدته، ولإن مال الفقراء والبسطاء يبارك الله فيه فقد احتفظ بدبلة وسلسلة ذهبيتين ليقدمهما لعروسه الفتاة الطيبة في ليلة زفافهما في آخر عام 2011م، بحسب ما كان يخطط وصرحتْ أمه.
ولكن كان للقدر ثم الظلمة رأي واعتبارات أخرى؛ فأختاره الله ليكون شهيدًا في أعلى درجات الجنة (بإذن الله)، وقتله نظام المخلوع محمد حسني مبارك في يوم جمعة الغضب أو 28 من يناير/كانون الثاني 2011م في محاولة فاشلة لإرهاب المتظاهرين وإخضاعهم مجددًا للظلم بعد أكثر من ثلاثين عامًا من حكم الطاغية.
في يوم الأربعاء 26 من يناير/كانون الثاني قرر محمد المشاركة في الثورة، ولما سأله أبوه إلى أين يذهب؟ قال على الفور: “سأنزل الميدان مطالبًا بحقي في وظيفة وحياة كريمة”، وكأن قلبه كان يستشعر ما هو مقبل عليه أضاف: “هتوحشني يا أبويا”؛ فلما بكى الأب وسأله عن سبب قوله أجاب: “يمكن أبات في الميدان أو أفعل أي شيء آخر”!
أما يوم جمعة الغضب فقد استعد له الشهيد استعدادًا مختلفًا؛ إذ جهز لافتة هذه المرة كتب عليها: شباب مصر يبحث عن وظيفة؛ حاول أبوه بلا جدوى منعه من النزول فرفض واتجه إلى محطة مترو أنفاق حلوان؛ وهناك صلى الجمعة في مسجد المراغي مع الثوار، الذين حاولوا الانطلاق إلى ميدان التحرير لولا رصاصات الغدر والخيانة التي كانت لهم جميعًا بالمرصاد.
أصاب محمد مقذوف ناري أدى لفقدانه الوعي وأدخله في غيبوبة (بحسب تقرير الوفاة)، ولم يكن أبوه يعرف مصيره حتى اتصل به أحد الثوار في وقت متأخر أن عليه استلام ابنه المصاب من مستشفى حلوان العام.
وفي صباح السبت 29 من يناير/كانون الثاني اتجه الأب إلى المستشفى وهو يظن أن ابنه مصاب فحسب؛ وبعد بحث مضن من أحد الموظفين، ووسط قلق ولهفة أهل محمد وجيرانه قال الموظف: اذهب لاستلام ابنك من المشرحة يا حاج!
وعندما شاهد الأب جثمان أبيه وجده مصاباً بأكثر من ستة أعيرة نارية، إثنان في جنبه الأيمن، وواحد في الرقب، وآخر في الحاجب، وخامس في الجبهة، وسادس في الذراع.
تم تودبع محمد في مظاهرة وجنازة تهتف بسقوط حسني مبارك ونظامه؛ وتدعو على الرئيس المخلوع ألّا يمهله الله تعالى حتى يرى جزاء ما فعله في أحد الشباب الذين كانوا في عمر الزهور ولم يقترفوا أو يفعلوا ذنبًا سوى الحلم بحياة مناسبة، ووطن يتسع لحلامهم وآمالهم ويخفف من آلامهم؛ فضلًا عن وظيفة دائمة يكسبون منها لقمة عيش حلال.