آمال فرحات.. الحاضرة الغائبة

الحاضرة الغائبة، فراشة البيت.. التي إذا حضرت أشرقت معها الدنيا وانتهج بها الجميع، وإذا غابت افتقدها الجميع وسألوا عن أحوالها.. هكذا كانت توصف بطلة قصتنا.

آمال متولي فرحات بدر، ولدت في 17 / 11 / 1968 في حي “جديلة” التابع لمدينة المنصورة بمحافظة الدقهلية، وزوجة الشيخ شعبان الزهيري الذي تلقى خبر وفاتها خلال بعثة دعوية في إسبانيا، عندما قدر لها أن تكون إحدى ضحايا مذبحة المنصورة التي راح ضحيتها أربعة نساء.

أمال أم لأربعة أبناء، أكبرهم سمية الحاصلة على ليسانس دراسات إسلامية، وبلال الذي كان حينها طالبا في كلية طب الأسنان جامعة الأزهر، وعائشة الطالبة بالثانوية العامة، وصفية التي كانت تدرس في المرحلة الإعدادية، بعد أن حصلت على دبلوم التجارة تخرجت من معهد إعداد الدعاة ودرست بمعهد القراءات، وعملت محفظة للقرآن الكريم بمسجد الزهيري في الحي الذي سكنته مع أسرتها.

عرفت آمال “بالداعية والمربية” ووصفت بالصبورة المحتسبة المتوكلة على الله في كل شأنها، حيث عاشت حياتها للدعوة وتعليم القرآن والعلوم الشرعية للفتيات والنساء.

كما عرف عنها حرصها على طلب العلم فتروي أسماء منصور ابنة أختها أنه في كثير من الأحيان تحدث اختلافات داخل العائلة مع أخوالها وخالاتها ولكن “عند آمال يتفق الجميع”.

وعبرت أسماء عن احترام الجميع لآمال بالقول إنها إذا تحدثت أنصت لها الجميع وأذا أمرت ينفذ طلبها وإذا لامت أو انتقدت خطأ يتم تصحيحه بشكل فوري.

ووصفتها بأنها كانت نعم الصديقة والأخت والجارة والأم، وهادئة وقنوعة وشديدة الكرم والجود كما عرف عنها أنها صبورة ومحتسبة ومتوكلة على الله في جميع أمورها، وأنها لم تكن تتوانى عن خدمة من تعرفه ومن لم تعرفه مهما كانت ظروفها الصحية.

وتقول عائشة محمد ابنة أخيها “هى أمي وخالتي وأختي الكبرى، وصديقتي الصدوقة، وهي هكذا لكل العائلة”، ووصفتها بأنها الأخت الصديقة “فراشة البيت”.

وأضافت عائشة “تنتهي السطور ولا ينتهي وصفها كأم لأبنائها ولنا جميعا بنات وأولاد أخواتها وبالأخص من شرب من تربيتها”.

اهتمامات واسعة

ورغم تشعب اهتماماتها وانشغالها بتربية أولادها وتحصيلها العلم وتدريسه كانت زوجة مطيعة و مربية لأولادها على الأخلاق الحميدة وحفظ القرآن وإتقانه، كما ربتهم على الشجاعة وتحمل المسؤولية والصبر خدمة الدعوة والبر بالأقارب.

كما لم يشغل آمال كثرة اهتماماتها عن بر والديها حيث تروي أسماء عنها أنها كانت بارة بوالدها ووالدتها وسمعت من جدتها الكثير من المدح والثناء والدعاء لها، بالإضافة إلى برها بأهل زوجها وخاصة والده ووالدته اللذان كانت ترعاهم بكل حب وإخلاص وكانوا يذكرونها دائما بكل خير.

ولم تكتفي آمال بلعب كل هذه الادوار فكانت أيضا تعمل على حل المشكلات الاجتماعية سواء داخل العائلة ووسط المجتمعات النسائية، وكانت تبادر بتقديم النصيحة لكل من حولها. ويصفها شقيقها إسماعيل بأنها كانت تعشق العمل التطوعي الخيري.

وصيتها

قبل وفاتها بيومين وقعت مجزرة الحرس الجمهوري التي قُتل فيها العشرات من رافضي الانقلاب العسكري ووصفتها آمال بأنها صراع بين الحق والباطل وأوصت كل من تعرف بالنزول للميادين ومن لم يستطع فعليه بالدعاء والصلاة.

ونقلت عنها ابنة أختها أنها في يوم استشهادها كانت شديدة التفاؤل وعلى يقين بأن النصر قادم وأوصتهم بجعل حديث النبي صلى الله عليه وسلم “تفاءلوا بالخير تجدوه” شعار حياة، والدعاء للأقارب بالهداية والتواصي بصلة الرحم مهما كانت الخلافات.

كما أوصت بالتزام الاستغفار والدعاء والمداومة على الأذكار والمحافظة على صلاة الفجر، والورد اليومي من القرآن.

القتل بالوكالة على يد أتباع النظام

خرجت آمال في يوم الجمعة 19 يوليو 2013 الذي وافق يوم العاشر من شهر رمضان في مسيرة مؤيدة لإستمرار النظام الديموقراطي في مصر ومطالبة بإنهاء الانقلاب العسكري.

انطلقت المسيرة من أمام القرية الأوليمبية بالمنصورة وحين وصلت إلى شارع الترعة هاجمها مجموعة من البلطجية بالأسلحة النارية والأسلحة البيضاء وقطع الزجاج، وأصيبت آمال برصاصة في الرأس وأخرى في الصدر أصيبت بها من الخلف لتلقى ربها شهيدة في الحال.

وكانت آمال واحدة من ضحايا هذا اليوم مذبحة عرفت “مذبحة المنصورة” والتي قتل فيها أربعة من النساء كانت آخرهم شقيقة زوجها فريال إسماعيل التي لحقت بها متأثرة بإصابتها في الأحداث.

يقول زوجها الشيخ إسماعيل جبر الزهيري أنه قبل أن يتلقى خبر مقتل زوجته بساعات كان يتحدث عن تاريخ المسلمين الأندلسي وموسى بن نصير وأنه تلقي الخبر بالصبر.وشدد على أن زوجته خرجت من أجل قضية إرساء الشرعية “ونحن على استعداد لتقديم بناتنا وأولادنا وأنفسنا وأموالنا في سبيل نصرة دين الله سبحانه وتعالى”.

وبعد وفاتها قال عنها ابن شقيق زوجهاامحمد الزهيري “ماتت زوجة عمي، أفضل مربية أجيال عرفتها في حياتي”.وانطلقت جنازة آمال من مسجد الإيمان بحي جديلة. ومن الكلمات المشهورة لآمال أنها إذا جاء الحديث عن زينة الدنيا تقول “سوف نلبسها في الجنة، سوف نأكلها في الجنة” فكانت عيناها على الآخرة وشوقها للجنة أكبر من متاع الدنيا.