وليد عبد الستار المهندس والأب

كان بطل قصتنا نموذجًا للمصري العَالم، الخلوق، كان ناجحًا ومتميزًا في عمله؛ ويعد واحدًا من أهم أربعة مهندسين في مجال تصنيع السيراميك على مستوى الشرق الأوسط.  ولكن هذا الواقع المشرق انتهى برصاصة في مذبحة النصب التذكاري أو المنصة يوم 27 يوليو 2013.

وللمفارقة انتهت حياة المهندس وليد عبد الستار القصيرة بعد ثلاثة أيام فقط من تاريخ ميلاده في 24 يوليو 1975، ليلقى حتفه وعمره 38 عاما، تاركاً وراءه زوجة وثلاثة من الأبناء، بنتين وطفل رضيع.

ولد في مركز كفر شكر بمحافظة القليوبية، القريبة من القاهرة، وكان من المتفوقين دراسياً، التحق بكلية الهندسة في جامعة قناة السويس قسم البترول والتعدين وتخصّص في مجال التعدين، وتميز وليد في عمله، حيث تنقل في العمل بين عدة شركات متخصصة في مجال صناعة السيراميك إلى أن استقر به الحال في شركة بريما للاستثمارات.

تصفه زوجته فتقول:”كان نموذجًا للزوج المثالي، الذي لا يألو جهدًا في إسعاد أسرته، فقد كان عطوفًا، كريمًا، حنونًا، باسمًا، كان يبر أهله، وأصدقائه، وكان يحب الجميع ويحبونه.”

كما أجاد حفظ القرآن الكريم إجادة تامة، حتى إنه حصل على الإجازة في القرآن الكريم وهو في المرحلة الجامعية، وكان واسع القراءة والاطلاع.

أما على على مستوى سماته الشخصية فتؤكد زوجته أن وليد يتمتع بشخصية جذابة ومؤثرة، فكان قائدًا ومربيًا ناجحًا، يأسر من حوله بمتانة أخلاقه، وتواضعه وقدرته المبهرة على الإقناع، بالإضافة إلى رحابة صدره.

وتكمل قائلة رزقنا الله ثلاثة أولاد أصغرهم سنًا عمر، الذي يشبهه تمامًا، وهذا من فضل الله علينا. وبحسرة تضيف الزوجة “أفتقد زوجي الحبيب في كل لحظة، وأدعو الله تعالى دومًا على من قتله، وحسبنا الله ونعم الوكيل.”

أما صديقه عمرو عتيق فيتذكر وليد ويقول أنه كان ممن صدقوا مع الله؛ فصدقهم الله؛ فصدق فيهم قول الله تعالى “ويتخذ منكم شهداء”.

ويكمل عتيق واصفاً صديقه “كان أكثرنا تقوى وعلماً وإخلاصاً، لا أصدق أنني لن أراه ثانية، وكأنه كان يودعني حينما اتصل بي في النمسا؛ ليطمئن على أحوالي، وسمعت ضحكته الجميلة، وداعًا حبيبي وليد، وهنيئًا لك الشهادة، وأسأل الله أن يجمعني بك في جنات الخلد.”

ويقول صديقه حسني القمري: “هناك أناس عندما تراهم يذكروك بالله وأناس عندما تقابلهم تحس أنك قريب من ربنا، وكل من يعرف وليد أو حتى قابله ولو مرة وجده يعرف هذا المعنى جيدًا، فوليد كان من أفضل عباداته التي تميزه قيام الليل، فكان له على الأقل ساعة قبل الفجر يوميًا، مهما كان متعبًا أو مجهدًا.”

ولم يكن أقل اجتهاداً في عمله، وعن هذا يتذكر صديقه القمري موقفا “ذهبت لزيارته في إحدى المرات، وكان قد واصل ورديتين في عمله، ففتح لي الباب وعاد زحفًا لم يستطع الوقوف ولما رأيته هكذا طلبت منه أن نذهب إلى الطبيب أو نحضره إليه فرفض.”

أما  صديقه عمر صقر فيقول “رغم اختلافي مع وليد في الرأي إلا أنني كنت أحترمه، وسوف أظل احترمه؛ لأنه كنت عفّ اللسان خلوقًا. فإلى جنات الخلد بإذن الله.”

ونعاه صديقه محمد فتحي فقال “والله ما رأيتك في أي لحظة في أي يوم إلا ولسانك يلهج بذكر الله، فقد كنت تتحرى الإنفاق في سبيل الله تعالى، وكان مالك ليس لك، فلقد كنت تتفقد أصحاب الحاجات وتغنيهم من فضل الله في الدنيا – أغناك الله من فضله يوم القيامة – وتقول: لا تخبروا أحدًا عن هوية من يعطيكم المال.”

ويكمل فتحي قائلا “كنت يا صديق عمري ملاذًا للجميع فإذا ألّمت بأحد أصدقائك ضائقة مادية لم يكن يحمل لها همًا؛ لأن هناك بعد الله من سيقرضه المال، ويقول له: لا تشغل بالك بموعد السداد.”

وتحكي زوجته عن قصة وفاة زوجها فتقول “شارك زوجي في ثورة 25 يناير  كما شارك في اعتصام رابعة بعد الانقلاب العسكري، وكان يطلب الشهادة بإلحاح، وبخاصة بعد مذبحة الحرس الجمهوري التي وقعت يوم 8 يوليو 2013.

وتقول زوجته كان آخر ما نشره على حسابه على الفيس بوك قبل وفاته في مذبحة المنصة كلمة عن فضل الشهادة، والرباط في سبيل الله فكتب : “الحكاية في كلمتين طخ، آي = الجنة، فاللهم تقبلنا من الشهداء”، ولعل الله اطلع على سريرته وصدقه في طلب الشهادة فأكرمه بها.

وتكمل زوجته قائلة “في يوم مذبحة المنصة التي بدأت في وقت متأخر من مساء الجمعة 26 يوليو واستمرت حتى اليوم التالي، وكان زوجي موجودًا في الميدان، فتوجّه مع رفاقه إلى منطقة النصب التذكاري لصد هجوم بلطجية وأمن الانقلاب، وظل ثابتًا وصامدًا في مقدمة الصفوف حتى نالته رصاصة الراحة الأبدية. ونفوض أمرنا إلى الله الذي لا تضيع عنده الحقوق.”

وبعد الرحيل أقام زملاءه في مصنع فريتاج بمدينة السادات وقفة تأبين له يوم 31 يوليو 2013، وحضر الوقفة عدد من العاملين والمديرين بعدة مصانع محيطة، وأثناءها قال المدير الإداري لمصنع فريتاج أحمد شيحة إن المهندس وليد رحمه الله كان عالمًا في مجاله وكان متخصصًا فذًّا من أصحاب الخبرات القليلة بالعالم.

وأضاف زميله المهندس هشام محمود أن وليد كان بالفعل قدوة، وتعجب من كيف لرجل بهذا العلم والخلق أن يقتل! والقاتلون المعروفون تمامًا يتركون بلا رادع وحسبنا الله ونعم الوكيل. وقد استمرت الوقفة لمدة ساعة وامتدت لما يزيد على 2 كيلو متر.