هاني محمد كمال (30 سنة) ولد بمدينة الإسكندرية (شمال) في 19 أغسطس/آب عام 1983، وتخرج من كلية الحقوق عام 2006، وقضى شهيدا في فض اعتصام رابعة العدوية في 14 أغسطس 2013.
كان هاني يحلم بنيل الشهادة في فلسطين على أعتاب القدس بمعركة تحريرها، وحين لاحت فرصة الذهاب إلى غزة حاول استثمارها، إلا أن خطيبته نجحت في إثنائه عن ذلك وإقناعه بتأجيل هذا الهدف لما بعد الزواج، لينال الشهادة في فض اعتصام رابعة.
شارك هاني في ثورة 25 يناير 2011، وكان مخلصا لها، حاثا جميع أفراد أسرته ودوائره المحيطة على دعمها والمشاركة في جميع الفعاليات المنبثقة عنها، وحرص في هذا السياق على مشاركة الجميع في انتخابات الثورة، ومنهم والدته التي كانت مريضة بشدة تلك الأيام.
ظل هاني حريصا على المشاركة في كل الفعاليات الثورية، وبعد الانقلاب العسكري، انتفض كغيره من آلاف الشباب وأفراد الشعب المصري للمشاركة في الحراك السلمي الرافض للانقلاب والمطالب بعودة الشرعية، وعودة الرئيس المعزول محمد مرسي لمنصبه.
وفي هذا السياق، شارك هاني في اعتصام رابعة العدوية، ولم يغب عن أغلب أيامه، رغم أنها كانت تتصادف مع فترة إعداده لعش الزوجية الذي كان محددا له يوم الخميس 22 أغسطس 2013 وهو التاريخ الذي أعقب استشهاده بأسبوع.
ورغم تطلعه لحلم الشهادة، وسعيه لها، لم يمنعه ذلك من الاستمرار في العمل لتحقيق هدفه الحياتي، حيث كان يتابع مع شريكته التي كانت تحلم بليلة الزفاف جميع ترتيبات الزواج، ورفض بشدة تأجيل موعد نقل عفش الزوجية الذي كان يصادف يوم فض رابعة، يوم استشهاد.
يحكي والده كيف أنه في اليوم الموعود، كان كالعادة يتابعه بالاتصال تلو الاتصال للاطمئنان عليه، وكان يهاتفه كل ساعتين، حيث اتصل عليه في السابعة حين رأى مؤشرات بداية الفض تظهر على الشاشة، فوجد روحه المعنوية عالية.
داعبه هاني حينها رغم شدة الوضع وهول المشهد الذي يمر به، وسأله مداعبا، ما الذي أيقظك في هذه الساعة المبكرة يا والدي، ليبث له الوالد قلقه وخوفه عليه، فيجيبه، لا تقلق ولتثبتوا أنتم ونحن معانا ربنا.
يتابع الوالد، في الاتصال التالي وجدت الهاتف مغلقا، وتتابعت محاولات الاتصال إلى أن ورد اتصال من هاتفه، وأجد صوتا آخر لأحد مشاركيه الاعتصام، واسمه شريف يقول لي، أبشرك يا حاج محمد، ابنك هاني استشهد وهو صائم، ليرد الوالد، إنا لله وإنا إليه راجعون.
كان هاني مثقفا واسع الاطلاع، مهموما بأمور وطنه ودينه، كثير النشاط في خدمة الآخرين، وكان صاحب نشاط دعوي مؤثر، أسلم على يده اثنين، وكان نشاطه الخدمي يشهد له به زملاؤه في الدراسة ثم في العمل، وكذلك أساتذته ومديريه.
يشهد له أفراد أسرته ومحبيه، أنه كان لا يرفض طلبا لأحد، وكان يكره أن يتسبب في الحزن لغيره، أو أن يكون مصدرا لضيق أو هم، حتى لمن عادوه واختلفوا معه خلافا جذريا.
تحكي والدته في هذا السياق، كيف أنه كان بين الفينة والأخرى يحدثها عن أمنيته في أن يموت شهيدا، وكتب في مذكراته منذ 2006، أنه شهيد في أي وقت، إلا أنه كان يحثها ألا تدعو على أحد حال استشهاده بل تدعو بالهداية للجميع، وتوكل أمرها لله وتقول حسبي الله والنعم الوكيل.
خدم هاني في الجيش سنة وكان محبوبا فيها مقدرا بين أفرادها سواء كانوا ضباطا أو مجندين حيث كان يأمهم في الصلاة، وتقول والدته إن ضباط وحدته اتصلوا يعزونهم في استشهاده.
كان هاني قد عقد على شريكته التي ارتضاها لمستقبل حياته قبل استشهاده بعامين ونصف، هي كما قالت ابتهال إبراهيم، أفضل أيام حياتها، حيث رأت فيه جميع الصفات التي كانت تحلم بها في شريك الحياة.
تنقل عنه حديثه المتكرر عن حلمه بالشهادة في فلسطين، وتستذكر كيف أنه في أول أيام الخطوبة بدرت له فرصة للسفر إلى غزة، وحاول استثمارها، فبكت كثيرا وقالت له لنتزوج ثم نسعى لتحقيق هذا الغرض، وتابعت الإلحاح عليه حتى ضاعت الفرصة.
فجر يوم استشهاده، وهو اليوم الذي صادف يوم نقل أثاث منزل الزوجية إليه، بعث إليها رسالة كتب لها فيها “الأثاث اللي هتجيبيه هو اللي هنأسس عليه سعادتنا إن شاء الله”، ثم هاتفها قبل استشهاده بنصف ساعة يثبتها ويحدثها عن الرضا بالقدر، ثم هاتفها شقيقه وقال لها إنه قد استشهد.
كان وقع الخبر عليها شديدا، كيف لا، وأيام قليلة كانت تفصلهم عن يوم الزفاف، لكنها استرجعت بعدها واستجابت لتوصيته بالرضا والقبول بالقضاء والقدر.
كان قلبه معلق بالمساجد، ويعكس ذلك أن أغلب صوره وهو في المسجد، وكان يستكثر على نفسه الترفيه حتى في الحلال، حيث كان قلبه معلق بفلسطين وتحريرها، ويرى أنه لا يحق له الفرح وشهداءها يتساقطون.
عرف هاني بخواطره الإيمانية والدعوية، ومنها على سبيل المثال، “كثيرا ما يعتصرني ألم أننا نتحدث عن الصالحين كأنهم نجوم بعيدة ليست في دنيانا كأنهم لم يكونوا يوما على الأرض وكأنهم أحلام متى يأتي اليوم الذي نتحرق فيه فنتحرك إلا انها برودة القاعدين المحبطين”.
كتب وصيته في آخر أيامه ومنها “لطالما تمنينا الجنة في السجود والركوع وفي خصب الخشوع ولقد منّ الله علينا ببوابــة عظيمة واقف عليها حارس الأجل يختار من بيننا من يستحق كرامــة العبور من رابعــة العدوية إلى الجنة وأنا أرفع يدي منذ زمن للفت نظــره، وأراه ينادي عن قليل”.
وكغيره من شهداء فض الميدان، أدى العديد عنه العمرة رغم عدم سابق المعرفة، وشارك المئات في جنازته مرددين هتافات تطالب بعودة حقه، وتؤكد الاستمرار على منهجه.
في عيد الأضحى التالي لفض الاعتصام، نظمت حركات شبابية زيارة لأسرته، ضمن زيارات نظمت لأسر شهداء الفض، حيث شاركوا أسرته الاحتفال بالعيد وأكدوا لهم الوفاء لدم الشهداء وعدم نسيانهم.