ناصر الحافي.. البرلماني والمحامي الزاهد

كانت تصفيته ضمن 9 آخرين من قيادات لجماعة الإخوان، معروفة بعملها المدني ونشاطها السياسي، ونبذها المتكرر للعمل المسلح، نقطة فاصلة، لها دلالة واضحة لعداوة وصلت مداها الأقصى، ارتضاها النظام بعد انقلاب الثالث من يوليو/ تموز 2013، ضد معارضي الانقلاب العسكري.

ناصر سالم سالم الحافي (55 عاما) الشهير بناصر الحافي، مواليد قرية باسوس، التابعة لمركز القناطر الخيرية بحافظة القليوبية، في 21 أكتوبر 1960، وتخرج من كلية الحقوق وعمل بالمحاماة، وتدرج فيها حتى أصبح محاميا بالنقض، قبل أن يتجه للعمل السياسي.

كان الحافي قيادة شعبية ودعوية معروفة في محافظته، قبل أن يصبح نائبا للشعب في برلمان الثورة عن دائرة شبرا الخيمة، ومن حينها تميز بأداء فريد ونشاط مجتمعي واسع، جعل له صيتا في أنحاء مختلفة بمصر، وعرف بتفاعلاته القوية تحت قبة البرلمان.

كان له نشاط مبكر في العمل النقابي، حيث انتخب عضوا بمجلس نقابة المحامين الفرعية في القليوبية، وتم اختياره أمينًا عامًّا للمجلس في دورتين نقابيتين، أعوام (1993 – 1998) و (2001 – 2005)، ثم ترشح لانتخابات مجلس الشعب عام 2005م، ولم يوفق في الحصول على المقعد نتيجة التزوير لمرشح الحزب الوطني.

ترشح في انتخابات مجلس النقابة العامة للمحامين، وأصبح عضوًا بالمجلس وأمين الصندوق المساعد في 2005، وشارك في العمل الأهلي من خلال عضويته بمجلس إدارة جمعية تنمية المجتمع المحلي بباسوس في الفترة من 1996-1999م ولجنة الزكاة بالقرية ولجنة مصالحات.

عقب قيام ثورة 25 يناير، انضم الحافي إلى حزب الحرية والعدالة وأصبح عضو اللجنة القانونية بالحزب، وفي انتخابات برلمان 2011، كان الحافي من أوائل نواب الحزب الذين استطاعوا حسم مقاعد الفردي عن دائرة القليوبية الثالثة.

كان للحافي مواقف مشهورة، سجلت له في مسار عمله السياسي المدني، منها إثباته “انحراف” المحكمة الدستورية العليا، ووقوفها ضد ثورة 25 يناير، وذلك خلال مرافعته بجلسة نظر التنازع حول تنفيذ حكم بطلان مجلس النواب.

حيث أثبت أن المحكمة قامت بإرسال الحكم بحل مجلس النواب إلى المطبعة الأميرية لنشره بالجريدة الرسمية، في وقت سابق على نظر الجلسة والمداولة، وإصدار الحكم على نحو من شأنه أن يشكل جريمة تزوير في الحكم. وقدم بلاغا للنائب العام بذلك.

ولكن صراع الحافي مع المحكمة الدستورية انتهى في غير صالحه، حيث تقدمت بدورها ببلاغ ضده، وهو البلاغ الذي انتهى بحكم محكمة الجنايات بسجنه عاما، وتغريمه 20 ألف جنيه بتهمة إهانة “المحكمة الدستورية”.

وفي 11 سبتمبر 2014، قضت محكمة جنايات جنوب القاهرة، بمعاقبة الحافي بالحبس لمدة عام واحد مع الشغل مع كفالة مالية قدرها 20 ألف جنيه لوقف التنفيذ، وذلك في قضية اتهامه بإهانة المحكمة الدستورية العليا وقضاتها وقذفهم والتزوير في محرر إلكتروني. وصدر ضده حكم أيضًا بالإعدام في قضية اقتحام السجون.

ويعد الحافي من أهم رموز العمل القانوني والحقوقي المدافعين عن الحريات، وكان عضو فريق الدفاع عن الرئيس الراحل محمد مرسي، كما أنه تصدى للدفاع عن كثير من المعتقلين سواء في فتره حكم مبارك وايضا في سجون ما بعد الانقلاب العسكري قبل تصفيته.

كان يبدأ مرافعته بتذكير منصة القضاء بحديث النبي محمد صلي الله عليه وسلم قاضي في الجنة وقاضيان في النار، وينظر للقاضي ويقول “أسأل الله أن تكون من اللذين قال فيهم محمد بن عبدالله قاضي في الجنة وأسأل الله أن لا تكون ممن قال فيهم قاضيان في النار”.

كان الحافي معروفا بزهده ومواظبته على العبادة، كتب ابنه اسلام عقب استشهاده، “بابا ناصر طول رمضان كان نعم العابد نعم العامل نعم الخادم لدين الله مع مصحفه في التراويح والتهجد وفي عمله وفي المحاكم ومجهوده في لجنة الزكاة واعتكافه في المسجد وخواطره القرآنية وانشغاله بالفقراء والأيتام، وصلاة العيد في المدرسة وتوزيعه الفشار والحلوى علي الأطفال واستقباله للناس في المصلي”.

كما كتب الإعلامي محمد فراج، عقب تصفيته بيوم: “كان الاستاذ ناصر الحافي يخجلنا في وسط معمعة الانتخابات والعمل المجتمعي بمواظبته على الصيام والورد القرآني اليومي وصلاة الفجر وقيام الليل.. كان يشعرنا بحق أننا أمام استاذ وأننا صغاره الذي يعلمهم يشعر بذلك الكبير والصغير رحمك الله يا أستاذي”.

بينما كتب آخر “ناصر الحافي كان إنسان بروح ملائكية سامية فوق كل أطماع البشر فأعطاه الله شفافية وبصيرة فكان لا يرى إلا طريق ربه والجهاد فيه وترقب الشهادة في سبيله”.

بالتزامن مع الذكرى الثانية لهذا الانقلاب، وتحديدا في الأول من يوليو/تموز 2015، استيقظت مصر على نبأ قيام أجهزة الأمن الوطني بالتعاون مع مباحث الجيزة بتصفية 9 من عناصر قيادية بجماعة الإخوان، زعمت أنهم متورطون في عمليات إرهابية.

وتداولت وسائل الإعلام حينها تصريحات وبيانات أمنية، عن اشتباك مسلح تم على إثره تصفية هذه القيادات، والتي من بينها بطل قصتنا ناصر الحافي، في شقة، بمنطقة ميدان الصينية بدائرة قسم ثاني أكتوبر، كانت مخصصة لعقد اجتماعات التنظيم في ذلك الوقت.

زعمت قوات الأمن في بياناتها أن تلك العناصر، قامت بإطلاق الرصاص بكثافة من بنادقهم الآلية، بعد محاصرة القوات لهم بإحدى الشقق السكنية بمدينة أكتوبر، وتبين أن من بين تلك العناصر ناصر الحافي وادعت قوات أمن الانقلاب بضبط ٣ بنادق آلية بحوزتهم، وكميات من الذخيرة، ومبالغ مالية، تستخدم في تمويل تلك العمليات الإرهابية”.

وكانت وزارة الداخلية المصرية قالت في صبيحة يوم القتل، إنها اعتقلت الرجال التسعة في مداهمة قبل أن تزعم في توقيت لاحق أن قوات الأمن قتلتهم في تبادل نيران، بعد أن فتح الرجال على الشرطة نيران أسلحة آلية من خلف باب مغلق في شقة سكنية بالقاهرة.

محمد منتصر، المتحدث باسم الجماعة حينها قال، إن القيادات التي تم “إعدامها ميدانياً” كانت مجتمعة لمناقشة إعالة يتامى الشهداء، مشددا على أنهم كانوا عُزّلاً، ونفى أنهم كانوا مسلحين، وأنهم قضوا خلال مواجهة مسلحة مع القوات الأمنية.

العديد من المنظمات الحقوقية كذبت رواية السلطات الأمنية، واتهمت النظام المصري بتصفية هذة المجموعة بدم بارد، واعتبرت ما تم جريمة قتل لعزل مع سبق الإصرار والترصد.

منظمة “هيومن رايتس ووتش” شككت بدورها في رواية السلطات المصرية ووصفتها بأنها قد ترقى إلى جريمة “الإعدام خارج إطار القضاء”، وطالبت المنظمة في بيان لها أعضاء النيابة المستقلين، بالتحقيق في وقائع القتل، كما طالبت بمحاسبة أي فرد من قوات الأمن يثبت ارتكابه القتل غير المشروع أو مسؤوليته عنه بأي شكل آخر.

وأوضحت “هيومن رايتس ووتش” أنها تحدثت مع 11 من أقارب المتوفين وشهود آخرين على دراية بالواقعة، فقالوا إن “قوات الأمن كانت قد اعتقلت الرجال وأخذت بصماتهم وعذبتهم قبل قتلهم.

شيعه الآلاف من محبيه، في جنازة مهيبة، قدمت رسالة واضحة برفض رواية الأمن فيه وفي من كانوا معه، ورددوا هتافات تطالب بمحاسبة قتلته، والتأكيد على أنه شهيد