بطل قصتنا هو “محمود أحمد محمود أحمد الكابس” وشهرته “حمادة الكابس“، أحد ضحايا مذبحة النصب التذكاري، التي وقعت يوم السبت 27 يوليو 2013. كان جنديًا مجهولاً، يعمل في إخلاص لخدمة قريته ومجتمعه ووطنه، لم يسع يومًا إلى الظهور ولم ينتظر جزاءً من البشر لأنه كان يتطلع إلى الجائزة الكبرى من الله.
محمود الكابس، 29 سنة، من مواليد قرية الصلعا في مركز سوهاج التابع لمحافظة سوهاج، درس بكلية أصول الدين في جامعة الأزهر وتخرج عام 2008، وكان يمتلك ويدير مطعمًا ومحلاً لبيع السلع الغذائية. وقد تزوج عام 2011 وأنجب طفلة اسماها “زهراء”، فقدت أباها وعمرها سنة ونصف.
عُرف حمادة وسط أهله وأصدقائه بالتدين والهدوء وسعيه لحل المشكلات، استطاع أن يغير في نفوس أناس كثيرين خاصة في أوساط الشباب في قريته، أجمع كل أهل القرية على طيبته، لذلك قد ترك بموته فراغًا كبيرًا في بلدته. تفاعل محمود مع ثورة 25 يناير من بدايتها وشارك في جميع فعاليتها.
يصفه شقيقه طه الكابس قائلا: “كان حمادة صديقي الذي أحبه كثيرًا قبل أن يكون أخي، فكان أسبقنا إلى عمل الخير ولا يتأخر عن أحد”.
ويضيف طه: “كان حمادة يشارك في كل الفعاليات الرافضة للانقلاب العسكري في بلدتنا، كما سافر إلى ميدان رابعة العدوية بالقاهرة؛ ليكون من أوائل المعتصمين هناك، ورغم أننا نقيم في الصعيد، فإنه لم يتردد في المشاركة في نصرة الحق غير مكترث ببعد المسافة، وقد أصيب بطلقة في قلبه خلال مجزرة المنصة ونال شرف الشهادة على إثرها وفارق الحياة، ولكننا على يقين أنه حي يرزق لم يغب عنا، يحيا بيننا بروحه وأخلاقه وسيرته الطيبة التي نفتخر بها جميعًا بين الناس”.
وتقول فاطمة علي، إحدى قريبات محمود: ” كان حمادة من أفضل الناس خلقًا ودينًا، وكان واصلاً لرحمه يسأل عنا دائمًا، وإذا احتجناه وجدناه، كان صغيرًا في السن كبيرًا في المقام، متسامحًا في تعاملاته مع الناس، يحبه الكبير والصغير في البلد، وتفخر به عائلته بين الناس”.
ويحكي صديقه أحمد رمضان عن اللحظات الأخيرة في حياة محمود فيقول: “أصيب حمادة بطلق ناري في القلب أثناء مذبحة النصب التذكاري، فقمنا بنقله إلى المستشفى، حيث حاول الأطباء إسعافه وإجراء جراحة عاجلة لإنقاذ حياته، إلا أن لقاء الله كان أقرب إليه.”
أما صديقه أحمد الكردي، فيقول: “كان حمادة من أعزّ أصدقائي، وقد كان من أوائل الشباب الذين شاركوا في ثورة 25 يناير بجميع فعالياتها، وبعد أن تولى الرئيس المنتخب محمد مرسي رئاسة الجمهورية، كانت سعادتنا جميعًا وخاصة حمادة لا توصف، إلا أن فرحته لم تكتمل، فحدث الانقلاب، وبعدها لم يترك حمادة مسيرة أو فاعلية إلا وشارك بها، حتى قتل في مذبحة النصب التذكاري.”
شيعه الآلاف من أهالي محافظة سوهاج، وتحولت جنازته إلى تظاهرة غاضبة، تناولت أخبارها العديد من الصحف القومية وشبه الرسمية، مثل جريدة الأهرام، وأخبار اليوم، واليوم السابع، والدستور.
مذبحة النصب التذكاري أسفرت عن مقتل 95 شخصا، ضمنهم محمود الكابس، بحسب منظمة هيومان رايتس واتش.
وأحدثت المذبحة ردود فعل عالمية، حيث أصدر وزير الخارجية الأمريكي جون كيري بيانًا قال فيه: «هذه لحظة فارقة لمصر. الولايات المتحدة تدعو كل القادة من مختلف الأطياف السياسية في مصر للعمل فورًا من أجل مساعدة بلدهم على التراجع خطوة إلى الوراء بعيدًا عن حافة الهاوية”، وقالت مفوضة الشئون الخارجية كاثرين أشتون “إنها تأسف بشدة لسقوط ضحايا في مصر وتحث جميع الأطراف على وقف العنف”.
وقال رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان: «في مصر، ذبحت الديموقراطية، ذبحت الإرادة الوطنية، والآن، يتم ذبح الأمة»، وأضاف: «أولئك الصامتون أمام هذه المجزرة أياديهم ووجوههم ملطخة بالدماء، أولئك الذين يقفون موقف المتفرج أمام هذه المجزرة هم شركاء فيها”.