محمود أبو طبيخ.. الطبيب المحبوب

لربما ينحصر الثناء والرثاء لأحدهم من محيطه وعائلته ومحبيه وأصحاب ذات الرأي، إلا أن سيرة بطل قصتنا العطرة وتفانيه في عمله كطبيب، جعل البعيد قبل القريب يسارع لتسجيل الثناء والمدح، حتى وإن اختلف معه في الفكر والرأي.

محمود عبد المنعم أبو طبيخ (29 عاما)، ابن قرية الدلجمون التابعة لمركز كفر الزيات بمحافظة الغربية، كان من أوائل دفعته في المرحلة الثانوية، ليلتحق بكلية الطب جامعة عين شمس ويتخرج منها في 2008 بتقدير امتياز وحصل على عضوية الكلية الملكية للجراحين بإنجلترا عام 2012

كان محمود يعمل طبيبا جراحا بمستشفى التأمين الصحي في مدينة نصر، وتزوج من قريته ورزق بطفلين كان عمرهما حين استشهاده نور (4 سنوات) والزهراء (عامان).

في الذكرى الثالثة لثورة يناير، خرج محمود ضمن الآلاف من رافضي الانقلاب العسكري للتأكيد على موقفهم الرافض للانقلاب العسكري، وكالمعتاد واجهت قوات الجيش والشرطة الجماهير السلمية بالرصاص وقنابل الغاز.

كان الدكتور محمود ضمن من طالتهم رصاصات الأمن يومها، حيث برصاصة في المخ، خلال فض قوات الأمن التظاهرة التي خرجت في ميدان إبراهيم باشا بالقاهرة يوم 25 يناير 2014 .

دخل محمود بعدها إلى العناية المركزة، وظل قرابة أسبوعين إلى أن جاءه الأجل ولقي ربها في التاسع من فبراير/شباط 2014.

يحكي صديقه علي الفقي ملابسات استشهاده فيقول، “كنا في ميدان إبراهيم باشا يوم 25يناير وحين بدأ التجمع والهتاف “الشعب يريد إسقاط النظام”.. ذهب محمود أبو طبيخ وحده إلى الكوبري ناحية قوات الداخلية والبلطجية وظل يهتف “الله أكبر .. الله أكبر” حتى أصابته رصاصة حية في منتصف رأسه استقرت في مخه”.

ويتابع، كان إلى جواره حينها شقيقه محمد، وفي ثبات حما أخاه إلى إحدى السيارات التي نقلته إلى إحدى المستشفيات ليرقد في العناية المركزة حتى وافته المنية.

كان محمود ممن أخلصوا لثورة يناير ولحق الشعب في نيل حريته، ولم يبخل في سبيل ذلك بعلم ولا وقت ولا موهبة ولا مال، وخلال تفاعله المستمر مع متطلبات الثورة أصيب محمود في أكثر من فعالية.

سبق محمود حماه الشهيد عبد العظيم شلتوت، الذي كان ضمن شهداء فض اعتصام رابعة العدوية، وكان أحد رموز قريته الخيرين، ولحق به شقيقه محمد بعد 3 سنوات حيث تمت تصفيته بعد اعتقاله من قبل قوات الأمن.

أبدع محمود في كتابة الشعر وكلمات غنائية ثورية، وكتب أغنية رددها رافضوا الانقلاب العسكري، وكانت أحد أهاجيز أولتراس كفر الزيات التي يرددونها في كل فعالية بأداء مميز، وكان من كلماتها:

لحظة من فضلك.. واسمعني يا بيه.. واسمحلي أقولك.. أنا نازل ليه.. نازل وبهتف سلمية.. وعمري في يوم ما هنكسر.. ضد العسكر والحرمية.. والحق لازم ينتصر..

من غير حورات.. كلمة يا حضرات.. أنا خوفي مات لما.. قتلوا البنات.. من غير حوارات.. كلمة يا حضرات.. أنا خوفي مات لما.. حرقوا اللي مات”

كان محمود مخلصا كذلك في عمله، متفانيا في خدمة مرضاه، إلى درجة أنه كان يشعر كل واحد منهم أن له مكانة خاصة لديه، وأنه يحظى بمعاملة مختلفة وخاصة، وهو الأمر الذي كان يشترك فيه جميع المرضى، بل حتى أسرهم وذويهم.

ورغم إخلاصه في عمله وشهادة زملائه على اختلاف مشاربهم بذلك، شغل محمود دائما بقضية ومستقبل وطنه وأمته، وكان ذا فراسة نقي الفكر، وقبل استشهاده بأيام قال لأحد أصدقائه “أشعر بحالة ترقب.. سأعتقل أو استشهد”

خلال أيامه الأخيرة التي سبقت استشهاده، وبعد إصابته بالرصاص، رثاه صديقه إسلام هجرس “لم تعد سليماً هذه المرة يا حبيبي وها أنت الآن في درجة بين الدنيا والآخرة تستقر في رأسك رصاصة وتتوقف كل أجهزة الجسد إلا قلبك”.

وتابع “لن يخبرك أحد يا محمود أن في الإنعاش معك قطعة من عمري، أنا دائم الذكر لجلوسنا معاً يومياً واستشارتي لك في جديد حياتي الذي لم أخبر به أحداً واستشارتك لي في جديد شعرك الذي كنت تكتبه للغناء”.

كان له وصية عامة ووصية خاصة، ومما كتبه في وصيته العامة “لكل من اختلف معنا.. إن رأيتنا خطأ فأرنا الصواب ودافع عن هذا الدين وعن هذا الوطن وعند الله نتقابل.. وكلنا سيعرف الحقيقه ساعتها.. فلجتهد فيما أخطأنا فيه من وجهه نظرك.. وادعو لنا بالمغفرة”.

أما وصيته الخاصة، فكتبها لوالدته، وفيها “آسف على كل لحظه زعلتك فيها.. سامحيني.. أنت سبب كبير لتفوقي في حياتي.. لو قدر الله ومت شهيد، فلا تحزني فعند الله الخير الكثير فهو أحن على عباده من كل البشر وإن قدرني الله شهيدا فسوف تكونين أول من سأشفع لها فلا تحزني”.

كانت جنازة محمود حاشدة، حضرها المئات من أهل قريته ومحبيه الذين جاءوا من كل حدب وصوب، وتقدمها شقيقه محمد الذي لحقه على ذات الطريق، بعد تصفيته إثر إخفائه قسريا من قبل قوات الأمن.

وعقب استشهاده، تتابعت وقفات رافضي الانقلاب أمام منزله، حيث الهتاف بالاستمرار على دربه وعدم الرجوع عن أخذ الحق له ولمن ماتوا على طريقه.