محمد نجيدة.. صانع البسمة

مع الابتسامة التي كانت تزين محياه في معظم حالاته، عرف بطل قصتنا بين أسرته وأقرانه ومحبيه بأنه “صانع البسمة” حيث كان يحرص على إدخال السرور والبهجة على قلوب غيره.

محمد عبدالله نجيدة (22 سنة) مواليد شهر مارس/آذار 1991، من قرية القنايات مركز الزقازيق بمحافظة الشرقية، نشأ في بيت متدين، وكان طالبا بالفرقة الخامسة في كلية الطب بجامعة الأزهر.

كان محمد متفوقا في دراسته، حاصل على أعلى التقديرات في سنواته السابقة، وظهرت نتيجته في الفرقة الرابعة قبل أستشهاده بأيام بحصوله على تقدير جيد جدا.

كان محمد شابا معروفا بالخلق الحميد والاحترام في دوائره القريبة، وكان دائم الابتسام، حافظا لكتاب الله متقنا له أداءا وأحكاما، ويشهد له كل من عرفه بالتميز في الخلق والمعاملة الحسنة، كما يستنكرون وصفه بالإرهابي فهو في تقديرهم، مثال للأخلاق النبيلة في الأرض يعرفه بذلك كل من تعامل معه.

والده عبد الله عبد العزيز نجيدة يعمل مهندسا، ووالدته ربة منزل، وله 3 من الإخوة، أحمد وعمر وأسماء، وكانت الأسرة مشهود لها بحسن العشرة والخلق القويم.

عن طفولته يقول والده، “لم يكذب علي في أي من مراحل حياته، حتى وهو صغير، مع أنه ربما كان يتطلب الأمر ضربه حال إقراره بأمر، فلم أكن أضربه لالتزامه بالصدق”.

شارك محمد في معظم أيام الاعتصام، وشهد فضه الذي نال خلاله الشهادة، بعد إصابته بطلق ناري في قلبه، وكان صائما حال استشهاده، وقد تم توثيق لحظة إصابته ومحاولات إسعافه تحت وابل الرصاص الحي الذي استمر طيلة ساعات الفض.

كان محمد ذا همة عالية، حتى في حال تخاذل من حوله، كان دائما مبادرا في المقدمة، أصيب في أحداث الاتحادية، ولم يمنعه ذلك من الاستمرار في الاعتصام، وكانت مبادرته في كل جانب ومجال، يقصده أصحاب الحاجات ويرتاح للحديث إليه ذوو الكرب والأحزان، ويجد لديه طالبوا المشورة الرأي السديد.

وإلى جانب تفوقه الدراسي، كان معروفا بين زملائه الطلاب بصانع البسمة، وكان معروفا بتفانيه في خدمتهم، ولا ينحصر ذلك في أصدقائه المقربين أو أبناء دفعته، بل كان يتجاوز ذلك إلى جميع طلبة الكلية، من مختلف الدفعات، ولا يضن على أحد بمعلومة أو منفعة، وفي أحيان مختلفة، كان محمد يقدم مصلحة من يقصده على مصلحته.

عرف عنه المداومة على صيام يومي الإثنين والخميس حتى حال امتحاناته التي كان يتفوق فيها، وكذلك مداومة الذكر والالتزام بالنوافل، كما كان دائم التبسم في وجه الغير بشوشا، وضمن أخلاقه التي عرف بها، طيبة كبيرة كانت تتيح للبعض استغلاله، إلا أنه كان سليم الصدر لا يحمل ضغينة على أحد.

كتب عنه زميلة عبد المنعم فوزي، “محمد كان قمة في الأدب والاحترام والأخلاق والطيبة، حافظا لكتاب الله بعدة قراءات، ذات صوت عذب في قراءته، يجعل من يسمعه يقشعر جسده”.

يحكي أحد أصدقائه عن آخر حوار دار بينهما في عيد الفطر قبل استشهاده بأيام، حين زاره محمد مع بعض رفقائه لتهنئته بالعيد، وكيف أنه كان مفعما بالحميمية والأخوة الصادقة، ولم يكن يعلم أحد أن هذا سيكون آخر لقاء به، ولو علموا لكان الحال غير الحال.

بينما كتب آخر يرثيه، “النجدة.. تلك الكلمة التي نعرفها جميعنا حينما تأتي في سياق حد يتصل بالنجدة، والتي نقصد من ورائها إنقاذاً سريعاً جراء تعرُّضنا لأذى أو تعدٍ.. ولكن هل أتاك حديث نجيدة.. لم يكن ينتظر أحداً يطلب منه نجدةً أو سؤالاً.. فهو المستعد دائماً.. مبادراً يقتنص فرص مساعدة ونصرة من حوله”.

ويتابع “انظر له واقفاً في وجه الظلم ومناصراً للحق حيث أصيب وهو متقدم في الصفوف الأمامية أثناء أحداث الاتحادية.. ثم انظر إليه بشوشاً مهذباً في حياته الشخصية وهو يساعد طلبة الفرقة الأولى في مذاكرتهم، والأسر السورية بالقرب من المسجد، والمحتاجين بالتبرعات”.

ويشير إلى تميزه الدراسي وتفوقه، ثم حفظه كتاب الله وينقل عن أصدقائه في السكن كيف أنه كان قوّاماً بالليل، صواماً السنن.. ومن يراه كان “مشروع شهيد” حقيقي، رأس ماله هو “حياتي كلها لله”.

ويختم تأبينه بقوله “حينما رأى بعينه الظلم يبطش بالحق.. كان من أوائل المرابطين في ميدان رابعة حيث استشهد بإذن الله في الفض الدموي الإجرامي للميدان.. رحمك الله يا نجيدة وتقبل الله منك.. فقد تركتنا ونحن مازلنا ندعو أن ينجدنا الله وينصرنا”.

كانت جنازة محمد ليلية مهيبة، خرجت في مسقط رأسه بمركز القنايات في محافظة الشرقية، شهدها الآلاف من محبيه وأصحابه، كان يبكيه فيها الصغير والكبير، وظلت الهتافات الغاضبة تتردد مطالبة بأخذ حقه والثأر له، والإصرار على المضي على طريقه.