كان قدره أن يظل مطاردا رغم الألم والهم، فمقتل شقيقه على يد قوات الأمن خلال تظاهرة في 2014 لن يكون سوى سبب أدعى لملاحقته واستهدافه، حتى وإن طال الأمر ليزيد عن 3 سنوات.. في النهاية كان القدر المحتوم بالتصفية بعد أيام من القبض عليه.
محمد أبو طبيخ (39 عاما)، من مواليد عام 1978، كان أبا لولدين وبنت، وبتصفيته ترملت امرأتان، إحداهما ترملت مرتين، وهو الأمر الذي ستتضح فصوله في سطور هذه القصة.
ولد أبو طبيخ في قرية الدلجمون، التابعة لمركز كفر الزيات، بمحافظة الغربية، وكان معروفا فيها بنشاطه الخدمي والدعوي منذ شبابه، حتى بات أحد رموز القرية في هذا المسار، إضافة إلى شقيقه محمود، الذي سبقه للشهادة بـ 3 سنوات.
لمحمد 3 أخوات كلهن أكبر منه، وأخ واحد أصغر منه، هو الدكتور محمود أبو طبيخ الذي قتل برصاص الداخلية في ذكرى ثورة يناير الثالثة، يوم 25 يناير 2014.
كان محمد يعمل مدرسا للغة الانجليزية، وكان محبوبا بين طلابه، وعُرف بطموحه العلمي، حيث حصل على الماجستير خلال عمله في التدريس، وتحمل في سبيل ذلك الاغتراب عن بلده وأسرته، عبر السعي لذلك في محافظة الإسكندرية.
عرف محمد أبو طبيخ كذلك بالنشاط الاجتماعي والتربوي في الكتاتيب والأنشطة الصيفية التي كانت تقوم عليها الجمعيات الخيرية في قريته الدلجمون، وكان محبوبا من الجميع.
بعد استشهاد شقيقه محمود، وجد محمد نفسه مطلوبا هو الآخر لقوات الأمن، حيث لم يكتف نظام الانقلاب بما جلبه عليه من مصاب وألم بقتل شقيقه، فبات ملاحقا لا يستقر له حال، كثير التنقل، مضطرا في سبيل ذلك لتحمل الكثير من العنت والضغط.
وهو مع ذلك كان المسؤول عن أسرة شقيقه الشهيد، مع تحمله لتبعات أسرته، فتزوج أرملة شقيقه، ليحفظها ويحفظ أبناءها، وحرص على الوفاء بمتطلباتهم دون تقصير تجاه زوجته الأولى وأولاده.
وبمقتل محمد أبو طبيخ، ترملت زوجته الثانية للمرة الثانية، ولم ينحصر مصابها في مقتل زوجيها، فقد سبقهما والدها،الشهيد عبد العظيم شلتوت الذي فقدته في مذبحة فض رابعة العدوية في الـ 14 من أغسطس 2013.
لم يثن محمد، استشهاد شقيقه محمود وملاحقة الأمن له عن المشاركة في الفعاليات الرافضة للانقلاب العسكري، والاستمرار في التعبير عن ذلك، مع الحرص على التخفي وعدم التواجد في أماكن ربما يسعى الأمن لاعتقاله فيها.
ظل محمد في حالة تنقل وتخف، حتى اضطر أن يلجأ لمدينة السادس من أكتوبر التابعة لمحافظة الجيزة، أملا منه في البعد عن الملاحقة ومطاردة الداخلية.
لكن مدينة السادس من أكتوبر لم تكن هي الأخرى بعيدة عن قوات الأمن التي ألقت القبض عليه في الـ 20 من مايو 2017 وظل قيد الإخفاء القسري، إلى أن أصدرت الداخلية بيانا اتهمته بالانتماء لجماعة مسلحة “حسم”، وقالت فيه إنه قتل في اشتباك مسلح وتبادل لإطلاق الرصاص.
كان اعتقال محمد بعد يومين من اعتقال صبري صباح، أحد أصدقائه المقربين، الذي سعوا من خلاله للقبض على محمد، ثم قاموا بتصفية كليهما لاحقا، حسب شهادات أهله وذويه.
قتل محمد أبو طبيخ عن طريق التصفية المباشرة يوم الجمعة 23 يونيو 2017، بعد إخفاء قسري استمر قرابة 32 يوما، تعرض خلالها لأبشع وسائل التعذيب بهدف إجباره على الاعتراف بتهم كاذبة، حسب روايات خاصة لعدد من أهله وذويه.
ووثقت منظمات حقوقية مقتل محمد أبو طبيخ بتصفيته بعد اعتقاله وإخفائه قسريا، واعتبرت ذلك “جريمة قتل خارج إطار القانون”، ومن تلك المنظمات، مؤسسة عدالة لحقوق الإنسان التي طالبت حينها النائب العام المصري بالتحقيق في الواقعة ومحاسبة المتورطين.
آلام وأوجاع والدة محمود ومحمد، لم تنته بمقتلهما، إذ كانت تصلها تهديدات مجهولة بإحراق جثتيهما، الأمر الذي سبق أن تعرض إليه أهالي شهداء في نفس القرية، ما اضطرها إلى أن تتابع مقابر ولديها وتتفقدهما بشكل مكثف مع عدد آخر من ذويهما.
هذه الضغوط الشديدة، أثقلت كاهل الوالدة المكلومة والتي لم تتحمل الأمر، وساءت حالتها الصحية حتى لحقت بولديها بعد مقتل محمد بعدة أشهر.
تعرضت أسرة أبو طبيخ إضافة إلى أسر شهداء آخرين في قرية الدلجمون لحملات تشويه، قادها متعاونون مع قوات الأمن ممن عرفوا باسم “المواطنين الشرفاء”، الأمر الذي لم يستطيعوا معه الحركة بحرية في القرية لعدة أشهر، ووصل الأمر إلى فقد طلاب من أبناء تلك الأسر القدرة على الذهاب إلى المدرسة أو حضور الدروس.