الطفل مؤمن سعادة.. عكّاز والديه

 أنهى الطالب مؤمن محسن سعادة، 15 عاما، دراسته في الصف الثالث الإعدادي وكان يستعد لدخول الصف الأول الثانوي، وكان يطمح أن يدخل كلية الصيدلة ليصبح صيدليا، لكن رصاصة قناص أنهت طموحه وحياته في مذبحة رابعة العدوية، 14 أغسطس 2013.

مؤمن هو الابن الأكبر في أسرته، وله أختان هم رفيدة وإيمان، من قرية السعديين في مركز منيا القمح بمحافظة الشرقية.

يشهد له الجميع أنه كان يتصرف كأنه رجلاً على الرغم من صغر سنه، حيث كان نعم الابن البار بأمه وأبيه المقعد، كان سندا لأسرته، يحمل قلب الأب ولم يتجاوز الـ 15 من العمر، كان حريصًا على أداء الصلاة، وأتمّ حفظ القرآن الكريم.

يقول والده الحاج محسن: “كان مؤمن مختلفًا عن باقي أقرانه، فلم يكن يتلفظ بمثل الألفاظ الدارجة بين الشباب في الشارع، ولشدة حبي له كنت أراقب تصرفاته دون أن يراني؛ فكنت أجده أشبه بالملائكة”.

ويضيف والد مؤمن: “كان يساعدني في الحركة لكوني أصبت بعجز في القدمين منذ سنوات، وبعد استشهاده ترك فراغًا كبيرًا جدًا في حياتي، فكل لحظة وكل مكان يذكروني بمؤمن؛ كما كان يوميًا يوصلني صباحًا للعمل، ويمر عليّ عصرًا ليأخذني للمنزل.

كنت أرهقه بالطلبات كونه ابني الولد والأكبر وله أختان أصغر منه في العمر، لذلك كنت أعتمد عليه اعتمادًا كليًا؛ لأني لا أستطيع التحرك، وكلما أثقلت عليه بالطلبات كان يقول لي (حاضر يا بابا) ولم يكن يتذمر أبدًا”.

ويوضح الحاج محسن أن هذا كان حال مؤمن مع الجميع من الجيران والأهل، كان خدومًا ولم يكن يترك أحدًا يحتاج إلى المساعدة إلا ويقف بجانبه.

يقول الوالد: “عندما استشهد مؤمن كانت صدمة كبرى لنا، فالجميع حزن لفراقه، وتقريبًا كل رجال القرية خرجوا في جنازته؛ فكانت جنازة مشهودة؛ وأنا على يقين أن الله تعالى لن يترك دماء ابني وباقي الشهداء تذهب هدرًا”.

أما والدته سهير أحمد فتقول: “كان ابني يحلم بالشهادة في هذه السن المبكرة، وعندما قابلت معلمته في جنازته؛ قالت لي إنها قابلت مؤمن ذات مرة وكان عائدًا من الاعتصام ليغيّر ملابسه ويذهب مرة أخرى، فقالت له يا مؤمن لا تذهب إلى ميدان رابعة، الأمن يقتل المعتصمين، فقال لها: وماله يا أبله أنا نفسي أموت شهيد”.

وتؤكد والدة مؤمن أنها حرصت على تربيته تربية إسلامية، فقد كان “يتقن تلاوة القرآن، وعندما كنت أقرأ القرآن أمامه وأنسى آية أو جزءًا منها؛ كان يصحّح لي… كان مؤمن صديقي وليس ابني فقط، كان محل أسراري وكنت أستشيره في قرارات الأسرة”.

وتضيف الوالدة: “انفطر قلبي على فراقه، وما يحملني على الصبر ويثبتني أن ابني في منزلة عالية عند ربه، وسيشفع لنا يوم القيامة بإذن الله”.

وتحكي أخته رفيدة فتقول أخي مؤمن كان الأكبر وإيمان الصغرى، ومؤمن لم يكن مجرد أخ، بل كان أبي الثاني وصديقي، كان أحلى حاجة في حياتي، بكيت بشدة عندما علمت أن مؤمن أصيب وبعدها حلمت بأن العيد الكبير جاء، ولم يكن مؤمن معنا فحزنت وبعدها بأيام علمت أنه مات”.

ويقول أحد أصدقائه، كنا معًا في الميدان ويوم الفض قال لنا المعتصمون الأكبر سنًا: اذهبوا أنتم إلى منتصف الميدان، الأكثر أمانًا من الأطراف التي تقتحمها قوات الأمن؛ فقال مؤمن لهم: لا، سنقف معكم، قالوا: إن رصاصهم يقترب؛ فقال لهم: احنا برضو رجاله؛ كان بطلاً، حسبنا الله ونعم الوكيل فيمن قتله.

يقول والده الحاج محسن: “كنت أشارك أنا وزوجتي ومؤمن في اعتصام رابعة، ولكن مؤمن كان سابقًا لسنه؛ حيث التحق بلجان تأمين الاعتصام ضد محاولات اقتحام الميدان التي تكررت من جانب قوات الأمن… وفي يوم الفضّ وقبيل الساعة الـثالثة عصرًا اتصلت به وطلبت منه أن يذهب للمنصة حتى يطمئن على والدته في المكان الذي كانت تجلس فيه النساء؛ لأنها لم تكن تحمل هاتفًا محمولاً لأطمئن عليها، فذهب بالفعل، وبعدها عاودت الاتصال به فلم يجب. وبعد فترة اتصلت به مرة ثانية فأجابني شخص آخر، وأخبرني أن ابني أصيب وهو الآن في مستشفى رابعة العدوية”.

على الفور، طلبت من أحد المعتصمين أن يساعدني في الوصول إلى هناك، وحينها أخبرني أحد أصدقاء مؤمن أنه أصيب الساعة الثالثة عصرًا بطلق ناري في البطن خرج من الظهر، وذلك عندما همّ بالصعود على منصة الاعتصام لينادي في الميكروفون على والدته ليطمئن عليها، وفور تمكنه من الصعود إلى منصة الاعتصام؛ أطلق عليه قناصة الأمن الرصاص، فاخترقت رصاصة بطنه وخرجت من الظهر.

ويستطرد أبو مؤمن في سرد ما واجهوه بعد إصابة ابنه، قائلا: “بعد المغرب فوجئت بالأطباء يقولون لنا (اللي معاه مصاب أو شهيد ينزل بيه، جاءت تعليمات من الجيش والشرطة بإخلاء المستشفى)، كان الموقف قاسيا جدًا؛ عندها تبرع أحد المعتصمين بإيصالنا إلى أقرب مستشفى بسيارته، لكن جميع المستشفيات المحيطة التي ذهبنا إليها رفضت قبول ابني الجريح مؤمن. وبعد ساعات من البحث وافقت مستشفى الزيتون التخصصي على قبولنا، وقام الأطباء بإجراء عملية جراحية له في حدود الساعة 11 ليلاً، وخرج بعد الإفاقة، وكانت حالته مستقرة؛ لكنه دخل في غيبوبة بعدها بيومين، وتوفي صباح الإثنين 18 أغسطس 2013”.

وقد كتبت المستشفى أن سبب الوفاة هو الانتحار، ولكن مع إصرار أهله، تم تسجيل سبب الوفاة طلق ناري في البطن خرج من الظهر.

وخلّفت مذبحتي رابعة العدوية والنهضة التي وقعت يوم 14 أغسطس 2013 مئات الشهداء والمصابين، من بينهم الطفل مؤمن سعادة، ولا يوجد إحصاء كامل حتى اليوم بالأعداد الحقيقية لضحايا المذبحة.

وقالت هيومن رايتس ووتش في تقريرها يوم 19 أغسطس 2013: “إن استخدام قوات الأمن المصرية للقوة المميتة على نطاق واسع ومباغت لتفريق اعتصامات يوم 14 أغسطس قد أدى إلى أخطر حوادث القتل الجماعي غير المشروع في التاريخ المصري الحديث”.