أعلنت مصر في 14 من فبراير/شباط عن أول إصابة بفيروس كورونا كوفيد 19؛ وكان الإعلان الرسمي بمثابة أول حالة في قارة أفريقيا كلها، وبحسب منظمات حقوقية محلية وإقليمية وعالمية فإن عدد الإصابات الذي تُعلنه القاهرة يقل كثيرًا عن العدد الحقيقي للمُصابين، لأسباب منها: عدد السكان الذي يُجاوز مائة مليون، مع تأخر الدولة سواء في الإعلان عن وصول الفيروس، أو في الاحتراز منه، حيث عاودت البلاد استقبال وإرسال طيرانها الرسمي “مصر للطيران” إلى الصين، منشأ كورونا، بعد انقطاع لأربعة أسابيع فحسب خلال فبراير/شباط الماضي، بحسب تقرير للجزيرة نت.
فإذا وضعنا بالحسبان وجود بين 110 و140 ألف سجين ومُعتقل بينهم 26 ألفًا من المحبوسين احتياطيًا، من دون أحكام قضائية، بحسب ما نقله الصحفي المُقرب للنظام “محمد الباز”، في تقرير نقله عن مصلحة السجون المصرية؛ وبحسب تقرير رسمي صادر عام 2016م عن المجلس القومي لحقوق الإنسان، وهو حكومي أيضًا، فتتراوح نسبة التكدس بين 160% و300% في مراكز الاعتقال والسجون، أمكننا تصور الوضع المأساوي للمسجونين، بخاصة الأبرياء المعتقلين منهم، وقسوة انفجار الوضع وراء الأسوار وانتشاره في مصر كلها، وهو ما لا يُلقي إليه النظام الإجرامي المصري بالًا، ولا يتحرك له ضمير العالم.
لذلك بادرت منظمات حقوقية مختلفة إلى الدعوة عن مساجين الرأي بمصر إسوة بدول أخرى منها إيران، بخاصة أنهم لا يُمثلون خطورة على المجتمع، مع اتخاذ إجراءات احترازية أخرى تقلل من انتشار الفيروس داخل السجون ومراكز الاحتجاز، وهو ما لم يحدث إجمالًا.
حقائق غائبة:
منذ بداية 2020م، وحتى نهاية مارس/آذار تم الإعلان رسميًا عن وفاة 17 معتقلًا ومحتجزًا نتيجة الإهمال الطبي المُتعمد على النحو التالي: 7 سجناء في يناير/كانون الثاني، 5 في فبراير/شباط، 6 سجناء في مارس. وفي ظل حالة التعتيم الشديدة وغياب الحقائق لا يُعرف بدقة إن كان بعضهم توفى نتيجة الإصابة بفيروس كورونا أم لا، بخاصة مع وجود معلومات مؤكدة أنه في 19 من مارس/آذار أُصيب بعض المسجونين بمجمع طرة بالفيروس، وقبلها بثلاثة أيام بسجن تحقيق طرة أصيبت 3 حالات بحسب التنسيقية المصرية للحقوق والحريات، بالإضافة لحالات أخرى، ويبقى أن ما أشار إليه نفس تقرير الجزيرة نت بوقوع أول إصابة بكورونا في نفس الفترة الزمنية مشكوك فيه لدى كثير من المنظمات الحقوقية والمُهتمين، بخاصة مع وجود رسالة مُسربة من سجن العقرب بنفس الشهر تفيد بانتشار الفيروس فيه.
لاحقًا وخلال الفترة ما بين 14 و25 أبريل/نيسان، أصدرت السلطات المصرية عفوًا عن قرابة 4 آلاف سجين، بحسب الخبر المُتداول حينها، مما شكل خيبة أمل كبرى للمنظمات الحقوقية لقلة العدد نسبة لإجمالي الأبرياء المسجونين والمُحتجزين سياسيًا، مع ما نقلته منظمة “رايتس ووتش” الحقوقية في 20 من مايو/الماضي نقلًا عن 5 محامين لم تسمهم، “قولهم إن السلطات القضائية جددت قرارات الحبس الاحتياطي لجميع الموقوفين بشكل تلقائي، خلال الفترة منذ منتصف مارس/آذار وحتى مطلع مايو/آيار، دون نقل المحتجزين إلى الجلسات أو إتاحة فرصة للمحامين لتقديم دفوعهم”، بخاصة مع الإجراءات الشديدة التي يتخذها النظام لحماية القضاة.
أول وفاة بكورونا في السجون
صرح مركز الشهاب لحقوق الإنسان في 26 من مايو/آيار الماضي بتقرير لموقع العربي الجديد أن 7 معتقلين استشهدوا خلال شهر مايو/آيار الماضي، دون إشارة لوفاة أحدهم نتيجة كورونا، لكن موقع الجزيرة مباشر في 8 من الشهر نفسه أكد أن المُعتقل “رجب النجار” توفى قبلها بيوم (الخميس) “بمستشفى بلبيس بمحافظة الشرقية، بعد تعرضه لأزمة صحية داخل محبسه بقسم شرطة بلبيس، وفقا لناشطين حقوقيين ومنظمة (نحن نسجل) الحقوقية”، ونقلت الأخيرة أن الشهيد تدهورت صحته إثر ظهور بعض أعراض كورونا عليه من مثل ارتفاع درجة الحرارة والقيء المستمر.
ينتمي النجار لقرية الكفر القديم، بمركز بلبيس في محافظة الشرقية، وقد اعتقلته قوات الأمن في شهر ديسمبر/كانون الثاني السابق 2019، وحققتْ معه على ذمة قضايا تظاهر ادعتها، و”رفضت إدارة المستشفى تسليم جثمانه لأهله إلا بعد غسله وتكفينه داخل المستشفى، مما يثير الشكوك في ظروف وأسباب الوفاة، وترجيح إصابته بكورونا، وفق الناشطة الحقوقية “إيمان الجارحي” على صفحتها بالفيسبوك.
ازدياد الخطر
مع مطلع شهر يونيو ازدادت خطورة انتشار الفيروس بخاصة مع وفاة 11 معتقلًا ومحتجزًا، 10 منهم أصيبوا بكورونا، بداية من إعلان وفاة المُعتقل رضا أحمد مسعود (67 عامًا) في محبسه بمستشفى شبين الكوم، التابع لمحافظة المنوفية، عقب تدهور حالته الصحية، دون تحديد لسبب الوفاة، لكن في الأحد 7 من يونيو/حزيران تم الإعلان عن وفاة المُحتجز حسن زيادة، وكيل مدرسة الجيل المسلم بطنطا، مُكبلًا في مستشفى المحلة العام إثر الاشتباه في إصابته بالفيروس بعد إصابته داخل عنبر “3” بقسم شرطة أول المحلة الكبرى ورفض إدارة القسم علاجه أو عزل المصابين حتى تدهورت حالته الصحية.
وفي فجر الثلاثاء 9 من يونيو/حزيران الجاري، أكد مركز الشهاب خبر “وفاة المُعتقل ناصر أحمد عبد المقصود سمرة، (55 عاما) مهندس ميكانيكا، وسط اشتباه في إصابته بكورونا، بعد أن قضى مدة في الحبس منذ القبض عليه في ديسمبر/كانون الأول الماضي، بعد اختفائه قسريًا، وقبل أن أن يظهر على ذمة قضية، ويسجن بسجن طرة تحقيق، وكان الأمن اعتقله من أمام مقر عمله بكهرباء طلخا، وظل مختفيًا قسرياً قرابة الشهر، قبل أن يظهر في نيابة أمن الدولة العليا بالتجمع الخامس، ومن جانبها أوضحت منصة (نحن نسجل) الحقوقية أن المهندس الراحل أخلي سبيله أول مرة في 2016م”.
والخميس التالي تُوفى “معوض محمد السيد سليمان”، 65 عاماً، بالمعاش، بداخل قسم شرطة أول المحلة الكبرى أيضًا، نتيجة الإهمال الطبي المُتعمد، مع الاشتباه في استشهاده نتيجة كورونا أيضًا، بحسب الشهاب لحقوق الإنسان، وفي نفس اليوم نقلت إدارة نفس قسم الشرطة المُحتجزين “ياسر الحسينى”، “محمد فتحى البغدادى”، و”على ماهر حماد” بعد تدهور حالتهم الصحية إثر تأكد إصابتهم بكورونا، بحسب الصفحة الرسمية للتنسيقية المصرية للحقوق والحريات على الفيسبوك.
أما فيما يخص الشهيد زيادة الذي تأكدت وفاته بكورونا فقد صرحت التنسيقية الأخيرة باعتقاله في 28 من مارس/آذار الماضي من منزله بالمحلة على خلفية اتهامه بالمشاركة في حملة التكبير المعروفة بعد انتشار الفيروس في مصر، ومن جانبها نقل الجزيرة مباشر عن منظمة “كوميتي فور غستس” الحقوقية، “إن المُعتقل الراحل أصيب بالفيروس داخل محبسه، بعد إلقاء قوات الأمن القبض عليه وإصدار قرار من النيابة العامة بحبسه على ذمة قضية ذات طابع سياسي”.
وقالت التنسيقية المصرية للحقوق والحريات، إن زيادة (54 عاما) اعتقل في 28 مارس/ آذار الماضي من منزله بمدينة المحلة الكبرى على خلفية اتهامه بالمشاركة في حملة التكبير التي ظهرت في مصر عقب انتشار ظهور كورونا.
أما في السبت 13 من يونيو/حزيران الجاري فكشف التنسيقية المصرية للحقوق والحريات عن وفاة معتقلين اثنين بسبب كورونا هما: أحمد فتحي عامر (51 عامًا) داخل محبسه بسجن طرة تحقيق، بالإضافة إلى أحمد يوسف الذي لفظ أنفاسه الأخيرة بقسم أول شرطة العاشر من رمضان “إذ تم نقله إلى مستشفى عزل بلبيس بعد تدهور حالته الصحية، ورفضت إدارة المستشفى استقباله لعدم وجود مكان، فعاد إلى قسم الشرطة حيث توفى”، بحسب ما نقله عن التنسيقية العربي الجديد، الذي كشف عن عداد للفيروس دشنته منظمة منظمة “كوميتي فور غستس” الحقوقية أوضح وجود 26 مصابًا بكورونا في مختلف السجون المصرية حتى تاريخه، فيما أوضحت منظمات أخرى وجود أضعاف هذا الرقم.
فيما قضى المُعتقل ناصر سعد عبد العال (48 عامًا) في اليوم التالي مباشرة، الأحد، في محبسه بسجن تحقيق طرة، إثر إصابته بالفيروس، ليصل عدد الوفيات بكورونا لـ7 في أسبوع واحد بالسجون ومراكز الاحتجاز، بينهم 3 في يومين فحسب.
كما اُشتبه في وفاة المحامي محمد عبد النعيم في الجمعة التالي (19 من يونيو/حزيران) بكورونا في سجن أسيوط، بحسب التنسيقية المصرية للحقوق والحريات.
أما الأحد التالي (21 من يونيو/حزيران) فتوفى معتقل جديد داخل مقر احتجازه بسجن معسكر قوات الأمن المركزي بالعاشر من رمضان بكورونا هو “حمدي عبد العال ريان” (60 عامًا) الذي أعتقل منذ أبريل/نيسان 2019م، ورفضت إدارة المعسكر إسعافه مؤخرًا، بحسب الخليج الجديد؛ بالإضافة إلى ياسر سلامة محمد أبو العلا، في محبسه بسجن طنطا العمومي، وهو المحبوس احتياطيا على ذمة القضية رقم 9365 لسنة 2019 إداري مركز زفتى، والمُودع بسجن طنطا العمومي إثر معاناته من نفس الفيروس، بحسب بوابة الحرية والعدالة، و عربي 21.
فهل تستمر هذه المأساة في مصر بخاصة بعد توثيق منظمات حقوقية وفاة أكثر من 900 معتقل في السجون ومراكز الاعتقال منذ الانقلاب العسكري الأخير؛ وهل يترتب عليها ضحايا أكثر؟