لم تنجب أطفالا طوال 30 عاما من حياتها الزوجية، لكنها ربت العشرات من أبناء وبنات أهل مدينتها، حتى باتت أما لهم أكثر من أمهاتهم، وباتت محل غيرة وغبطة من أنجبن، ليبكيها الكبار والصغر، بعد أن طالها اعتداء بلطجية الانقلاب العسكري، وأتاها الأجل في ما عرف بمذبحة نساء المنصورة.
فريال إسماعيل الزهيري (52 عاما)، من مدينة المنصورة، والتحقت بجامعتها وحصلت منها على ليسانس الآداب، كما أنها كانت طالبة للعلم الشرعي، حريصة على تعلم القرآن وتعليمه، حيث حصلت على إجازة في رواية حفص عن عاصم من طريق الشاطبية، على أحد أبرز شيوخ القراءات بمحافظة الدقهلية.
كانت السيدة فريال متزوجة من الحاج محمد الخولي، إلا أنها لم ترزق منه بالولد، فنذرت نفسها وحياتها لكتاب الله وتحفيظه، وأعمال الخير والتطوع، وكانت معروفة بصلاحها وأمانتها، ومن ثمرة ذلك، أنها كانت تطلب من قبل الأهالي لتغسيل الموتى السيدات.
تميزت الزهيري برسوخ قدمها في الجانب التربوي، ولم تكن تتأخر عن أي مساهمة أو مشاركة تطلب منها في أي عمل خيري ينفع الآخرين، كما أنها كانت تخرج في فعاليات مناصرة الحق وأهله
وبعد تخرجها من كلية الآداب، درست السيدة فريال فى معهد إعداد الدعاة بالجمعية الشرعية في المنصورة، حيث لم ترض أن تمارس ما تحبه من دعوة إلى الله بشكل عشوائي دون حصيلة علمية وأرضية شرعية ترتكز عليها، والتي أعطتها الأهلية والمصداقية لدى من كانت تستهدفهم من أهالي مدينتها.
يذكر زوجها الحاج محمد الخولي، أن زواجهم الذي استمر نحو 30 عاما، لم يكتب لهما الله فيه الولد، إلا أنه عوضها بقدر واسع من الحب والحنان والعطف، فاضت به على الأطفال بشكل العام وأبناء العائلة بشكل خاص، ما أكسبها مكانة فريدة في قلوبهم. كانت عائلة الزهيري على موعد مع بلاء مضاعف، في مجزرة المنصورة المعروفة بأحداث الترعة، والتي راح ضحيتها 5 سيدات في العاشر من رمضان الموافق للتاسع عشر من يوليو/تموز 2013، حيث كانت سيدتان منهن تنتمي لهذه العائلة.
فالسيدة فريال، هي شقيقة الشيخ شعبان الزهيري، والذي ارتقت زوجته أمال فرحات فى نفس المجزرة التي صدمت شرائح واسعة من المصريين، ونعى ضحاياها قطاعات واسعة حتى من مؤيدي الانقلاب العسكري.
كانت الحاجة فريال، ممن يرون ضرورة النزول والخروج في الشوارع للتظاهر سلمياً تأييدا للمسار الديموقراطي في مصر ومن ثم كانت تشارك وتخرج بفاعلية وتحث من حولها على الخروج.
كانت البداية التي انتهت بهذه المذبحة، عقب صلاة تراويح يوم الجمعة 19 يوليو 2013، الموافق ليوم العاشر من رمضان، حيث خرجت السيدة فريال في مسيرة حاشدة من أبناء محافظة الدقهلية الرافضين للانقلاب العسكري، والتي انطلقت من أمام استاد المنصورة الرياضي لتجوب شوارع المدينة.
وحسب شهود عيان، بدأ الهجوم على المسيرة عدد من “البلطجية” ومعهم أسلحة نارية وبيضاء، وذلك حينما وصلت شارع الترعة، وتعمدوا استهداف الجزء الذي فيه النساء والأطفال.
وفي ظل ذلك، اضطر المشاركون للركوض ناحية الشوارع الجانبية والتي كان يكمن بها مسلحون أيضا، وانهالوا على المتظاهرين بالرصاص الحي والخرطوش، ليسقط عشرات المصابين من النساء والرجال.
ومباشرة قتلت 3 سيدات، هن الشابة هالة أبو شعيشع وإسلام عبد الغني وآمال متولي فرحات زوجة أخ فريال، فيما دخلت الحاجة فريال الزهيري، في غيبوبة نتيجة اعتداء البلطجية بالضرب على رأسها بسنجة، ما سبب لها تهتك في شرايين الجمجمة ونزيف داخلي في المخ.
وجاء الأجل بعد أسبوع من الإصابة، حيث فاضت روحها في السابع والعشرين من يوليو 2013، كما قضت البرلمانية سهام الجمل، بعد 3 أشهر من الحادثة نتيجة مضاعفات لحقت بها بعد إصابتها في تلك المظاهرات.
اتهم مشاركون ونشطاء حضروا التظاهرة، أحد رموز البلطجية في المدينة، واسمه السيد العيسوي، بقتل هالة ورفيقاتها، والذي عرف باستعراضاته بالسلاح ضد رافضي الانقلاب، وفي وجود لقوات الأمن دون تدخل منهم، إلا أنه أصيب بالشلل عقب إصابته بالخطأ من قبل قوات الأمن، وظل طريح الفراش حتى وافته المنية بعدها بعامين ونصف.
تقول الدكتورة سمية إسماعيل “حينما رأت الحاجه فريال، الشهيدة آمال فرحات قد أصيبت بطلق ناري في الرأس الصدر من سطح إحدى العمارات، انطلقت لمحاولة إسعافها، فانهال عليها بلطجي بالضرب على رأسها بسنج حتى سبب لها تهتك فى شرايين الجمجمة ونزيف داخلي في المخ دخلت على أثره فى غيبوبة”.
وظلت الحاجة فريال تصارع الموت مدة أسبوع كامل دخلت فيه المستشفى العام بالمنصورة ثم المستشفى الدولي ومستشفى شربين المركزي، وأخيرا مستشفى الطوارئ بالمنصورة، والذي ظلت فيه تحت ملاحظة الأطباء حتى ارتقت وصعدت روحها في 17 رمضان الموافق 26 يوليو 2013، لتنضم لقافلة شهيدات المذبحة.
يرثيها محمد الزهيري ابن أخو زوجها، بقوله “توفيت زوجة عمي (آمال متولي) أفضل مربية أجيال عرفتها فى حياتي، وعمتي (فريال إسماعيل(، أشرف أناس في عائلتي، اثبتوا آل الزهيري فإن منكم شهيدتين، أم بلال شعبان الزهيري والحاجة فريال إسماعيل الزهيري”.
تصفها ابنة أختها وتقول: “عمتى الحاجة فريال، هى أمي التي لم يرزقها الله بالأولاد ولا البنات، ربتني على حبي لديني، لم أكن أستشر غيرها في أمور ديني”.
ترك استشهاد فريال وباقي نساء المنصورة أثرا كبيرا تجاوز الحدود، فكن حاضرات في دعاء وتفاعل الكثيرين من أنصار الحرية، وكان ذكرهن حاضرا في جنبات المسجد الأقصى.
كانت جنازة الحاجة فريال مهيبة حاشدة، فقد توافد الآلاف من كافة أحياء المنصورة لتشييعها وامتلأ مسجد الزهايرة في شارع قناة السويس، بالرجال والسيدات، حيث انطلقت الجنازة عقب صلاة الجمعة، وبكاها رفيقاتها ودعوا لها بالرحمة، فيما قال شقيقها الشيخ شعبان: “أختي تمنت الشهادة ورزقها الله ما تمنت”.